14 سبتمبر 2025
تسجيلفي سياق الاختلاف على حق نظيم متطرف - كداعش – في تكفير المسلمين واستباحة قتالهم بناء عليه ، دار نقاش غلب عليها التصايح ونثر الأفكار دون تدبر..علقت في النقاش جملة من الأسئلة أبرزها: هل من حق هذا المتطرفين أن يجتهدوا وأن يصلوا لتكفير ومقاتلة خصومهم ؟ وهل لمن يكفره هؤلاء من أهل القبلة الحق في رد التكفير عليهم بتكفير مثله على اعتبار أن من كفّر مسلما فقد كفر؟ وهل غير المسلمين اليوم (من يهود ونصارى في بلاد الغرب) هم كفار أم مسلمون؟ ثم هل تجوز مقاتلة أهل القبلة أصلا أم أنه حرام وأن القاتل والمقتول في النار؟ حضرت نقاشهم وأدليت فيه برأي رأيت أن أصنفه في مقالتي هذه، لتعميم الفائدة والقيام بالبيان.. وأقول:أولا: أما "داعش" تحديدا فهي تُكفِّر جملة المسلمين، وليس من الصدفة ولا الاستثناء أن يصلوا في التكفير والاتهام بالردة لمجاهدي حماس، فذلك ينسجم مع الصورة العامة لهم في الولاء للكافرين وأعداء الأمة؛ فهم في ليبيا قد حصروا حربهم على الثوار (فجر ليبيا) ولم يقاتلوا حفتر وحلفاء السيسي والغرب، وفي سوريا قاتلوا الثوار ولم يقاتلوا النظام إلا من قبيل التقية وغسل السمعة أو استباق معركة نصر حققه غيرهم من الثوار، وفي فلسطين اعتدوا على حماس ولكنهم لم يحتكوا بالسلطة العلمانية ولا بالعدو الصهيوني، وفي مصر قصروا معاركهم على منطقة رفح والشيخ زويد المجاورتين لغزة بما يسهل لنظام الانقلاب اتهامها واستهدافها ولم نرهم يقتربون من شرم الشيخ حيث السياحة الصهيونية ولا قناة السويس حيث الرئة الاقتصادية للسيسي والممر العالمي الإستراتيجي !! ثانيا: رغم ذلك فلا يجوز تكفير "داعش" لأن التكفير يجب أن يعزل عن أمرين؛ الأول: عن قرار السلم والحرب فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقاتل الكافرين لمجرد أنهم كافرون؛ ولكنه قاتل بعض الكافرين وسالمهم أنفسهم؛ ولكن على قاعدة "السلم بالسلم والحرب بالحرب" والله تعالى يقول ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين.. أن تبروهم وتقسطوا إليهم). الثاني: وعزل التكفير عن أن يكون ردّة فعل؛ فلا يقع عقوبة ولا تنافسا ولا تسابقا مع تكفير يقابله ، فتكفير " داعش " لغيرها لا يرد عليه بتكفيرها؛ فجمهور الصحابة – رضوان الله عليهم - لم يكفّروا الخوارج ومن كفرهم لم يكفرهم على سبيل رد التكفير بالتكفير.ثالثا: التحرج من التكفير يساوي التسرع فيه، ومن جاء بمكفّر من قول أو فعل لا تأويل له غير الكفر من فهم أو خطأ أو تسرع أو جهل وجب تكفيره.. ينتج عن هذه القاعدة أن أهل الملل الأخرى الذين يرفضون الإسلام ولا يقرّون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم هم كفار ولا يجوز التردد في نسبتهم للكفر؛ والله تعالى يقول "( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )، وفي الحديث الذي يرويه مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسُ محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار".رابعا: عدم تكفير "داعش" لا يعني عدم قتالها إن هي اعتدت أو غلب على الظن أن شرها لا يحسم إلا بالقتال وأن التساهل معها يقود لفتنة قريبة، وهذا حكم شرعي منضبط.. وعليه قول الله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)؛ بل إن القتال يجوز في أقل من ذلك؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال أرأيت إن قتلني ؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته ؟ قال: هو في النار".خامسا: لكل مجتهد نصيب من الثواب؛ فإن أصاب له أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد؛ كما ورد في السنة.. لكن ثمة أصل هنا لا يجوز تجاهله أو الغفلة عنه هو أن للاجتهاد شروطا ليست مقصورة على الإخلاص وجمع العلم الشرعي ولكن فوق ذلك أن يعرف الحالة (الواقعة) ومتداخلاتها ومآلات الفتوى وتأثيراتها، وهذا يستلزم أن يكون ملمّا بالسياسة ومتغيراتها والاقتصاد والفرق والعادات والتقاليد وأن يفهم ميزان المصالح والمفاسد وأن يملك مهارة التمييز بين خير الخيرين وشر الشرين ثم يبني حكمه على كل ذلك، والله تعالى حسيب نيته وجهده، وهذا يعني أن اجتهاد "داعش" يساوي اجتهاد أي هيئة علمية إذا قام به "المؤهلون" وأيا كانت نتائجه الفقهية. آخر القول: لسنا بحاجة لتكفير "داعش" أو سواها من أجل استباحة قتالها، والقضية علمية دينية تخصصية وليست مجرد آرائية تحليلية، ثم إن "داعش" رغم عدوانها على أهل القبلة والشك بأنها يد للكافرين في الأرض إلا أن لها ما تعتصم به مما تزعم أنها تقاتل لإقامة شرع الله؛ فلا تشبه ولا تلحق بحكم من يقاتلون لمنع إقامة شرع الله تعالى.