11 سبتمبر 2025
تسجيلولسائل أن يسأل ماذا كانت حالة الديانتين السماويتين اليهودية والمسيحية؟كانت الديانتان السماويتان قبل الإسلام – اليهودية والنصرانية – قد انتهتا إلى أن تقعا - في صورة من الصور – تحت نفوذ هاتين الإمبراطوريتين حيث تسيطر عليهما الدولة في الحقيقة ولا تسيطران على الدولة، فضلا على ما أصابهما من انحراف وفساد.فاليهودية وقعت فريسة لاضطهاد الرومان تارة واضطهاد الفرس تارة أخرى ولم تعد تسيطر في هذه الأرض على شيء يذكر على كل حال، وانتهت، بسبب عوامل شتى، إلى أن تكون ديانة مغلقة على بني إسرائيل لا مطمع لها ولا رغبة في أن تضم تحت جناحها شعوباً أخرى!وأما المسيحية فقد ولدت في ظل الدولة الرومانية التي كانت تسيطر حين الميلاد على فلسطين وسوريا ومصر وبقية المناطق التي انتشرت فيها المسيحية سراً، وهى تتخفى من مطاردة الإمبراطورية الرومانية التي اضطهدت العقيدة اضطهاداً مروعاً، تخللته مذابح شملت عشرات الآلاف في قسوة ظاهرة. فلما انقضى عهد الاضطهاد الروماني، ودخل الإمبراطور في المسيحية، دخلت معه أساطير اليونان الوثنية، ومباحث الفلسفة الإغريقية الوثنية كذلك، وطبعت المسيحية بطابع غريب عليها، فلم تعد هي المسيحية السماوية الأولى. كما أن الدولة ظلت في طبيعتها لا تتأثر كثيراً بالديانة، وظلت هي المهيمنة، ولم تهيمن العقيدة أصلاً عليها. وذلك كله فضلاً على ما انتهت إليه المذاهب المسيحية المتعددة من تطاحن شامل فيما بينها – مزق الكنيسة، وكاد يمزق الدولة تمزيقاً. وأوقع في الاضطهاد البشع المخالفين للمذهب الرسمي للدولة. وهؤلاء كانوا في الانحراف عن عقيدة المسيحية سواء. وفي هذا الوقت جاء الإسلام. جاء لإنقاذ البشرية كلها مما انتهت إليه من انحلال وفساد واضطهاد وجاهلية عمياء في كل أنحاء المعمورة. جاء ليقود البشرية في الطريق إلى الله على هدى وعلى نور. ولم يكن هناك بد من أن يسيطر الإسلام لتحقيق هذه النقلة الضخمة في حياة البشر. ولم يكن هناك بد من أن يبدأ رحلته من أرض حرة لا سلطان فيها لإمبراطورية من تلك الامبراطوريات، وأن ينشأ قبل ذلك نشأة حرة لا تسيطر عليه فيها قوة خارجة على طبيعته، بل يكون فيها هو المسيطر على نفسه وعلى من حوله. وكانت الجزيرة العربية، وأم القرى وما حولها بالذات هي أصلح مكان على وجه الأرض لنشأة الإسلام حينذاك. وأصلح نقطة يبدأ منها رحلته العالمية التي جاء من أجلها منذ اللحظة الأولى.لم تكن هناك حكومة منظمة ذات تشريعات وقوانين وجيوش وشرطة وسلطان شامل في الجزيرة. تواجه العقيدة الجديدة بسلطانها المنظم، وتخضع لها الجماهير خضوعاً دقيقاً، كما هو الحال في الإمبراطوريات الأربع. ولم تكن هناك ديانة ثابتة كذلك ذات معالم واضحة، فقد كانت الوثنية الجاهلية ممزقة، ومعتقداتها وعباداتها شتى. وكان للعرب آلهة شتى من الملائكة والجن والكواكب والأصنام. ومع أنه كان للكعبة وقريش سلطان ديني عام في الجزيرة، فإنه لم يكن ذلك السلطان المحكم الذي يقف وقفة حقيقية في وجه الدين الجديد. ولولا المصالح الاقتصادية والأوضاع الخاصة لرؤساء قريش ما وقفوا هذه الوقفة في وجه الإسلام. فقد كانوا يدركون ما في عقائدهم من خلخلة واضطراب.