12 سبتمبر 2025

تسجيل

كل شيء هادئ على الجبهة (الجنوبية) الغربية

09 يوليو 2014

في هذه الأيام يحق للمسؤولين الإسرائيليين أن يرددوا بارتياح عنوان رواية الكاتب الألماني إريش ريمارك "كل شيء هادئ على الجبهة الغربية"، إذ يشير الأداء السياسي لنظام "3 يوليو" إلى عودة مصر إلى مربع "الأنظمة المعتدلة"، وفقا للصيغة التي تفضلها كل من إسرائيل وراعيتها أمريكا، حيث يلتزم النظام الجديد، كسابقه، بحماية الترتيبات الإقليمية، عبر تثبيت المشهد في سيناء وفق صيغة كامب ديفيد، وحماية الاستقرار على حدود إسرائيل الجنوبية، ومكافحة ما تسميه بالـ"الإرهاب"، والاصطفاف في الجانب الإسرائيلي في كافة المواجهات الناتجة عن احتلالها للأراضي الفلسطينية. بل يمكن القول إن النظام الحالي أظهر استعدادا لأن يقدم لإسرائيل أكثر مما كان يقدمه مبارك الذي كان يوصف بالكنز الإستراتيجي. فرغم كل ما قدمه من تنازلات كانت إسرائيل تطالب حليفتها أمريكا بممارسة المزيد من الضغوط على نظام مبارك، حيث كانت تعتبر أن ما يقدمه غير كاف، وأنه يحاول لعب دور الوسيط، أكثر من قبوله لحقيقة وضعه كوكيل إقليمي عن المصالح الأمريكية الإسرائيلية. ومن هنا فقد كان أحد الطقوس الانتخابية المتكررة في الولايات المتحدة تتمثل في قيام مرشحي الرئاسة بمغازلة اللوبي اليهودي من خلال تهديد النظام المصري بقطع المعونة العسكرية عنه ما لم يلتزم بالتعاون بشكل أكبر مع الاحتياجات الأمنية لإسرائيل.التغيرات السياسية الحالية في النظام المصري، خصوصا فيما يتعلق باستعداد القيادة الجديدة الدخول في مواجهات مع القوى التي تزعج إسرائيل، دفعت الأخيرة إلى التوقف عن ممارسة النقد والتحول إلى الإطراء. وتبدو مظاهر الرضا الإسرائيلي عن النظام متعددة، - فهناك الضغط الذي تمارسه إسرائيل على الولايات المتحدة لاستئناف المساعدات العسكرية، التي أوقفتها الإدارة الأمريكية على نحو مؤقت في أعقاب الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب، حيث توحدت إسرائيل مع النظام الجديد، وتحدثت باسمه، وطالبت إدارة أوباما باستئناف المعونة لمساعدته على تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي، ومساعدته في جهوده للتخلص من الإرهاب (الجماعات المسلحة في سيناء)، ووقف تهريب السلاح إلى قطاع غزة. وقد انتشر مقطع الفيديو الخاص بإيهود باراك وهو يدعو العالم بأكمله إلى دعم النظام الجديد، معربا عن أسفه من أنه لولا أن تفهم خطأ أو تسيء إلى النظام المصري لكانت إسرائيل في أوائل من يقدمون له الدعم. وهناك التنسيق المستمر الذي بدأت إرهاصاته منذ فترة حكم المجلس العسكري في أعقاب الثورة، حين كانت القيادة السياسية الحالية تحتفظ بقنوات اتصال فعالة مع إسرائيل، استطاعت بموجبها أن تحصل على حق نقل القوات المصرية إلى داخل عمق سيناء لاستهداف الجماعات المسلحة لأول مرة منذ نهاية حرب أكتوبر وتوقيع اتفاقيات السلام بين مصر وإسرائيل.وهناك الدعوات التي يوجهها بين الحين والآخر خبراء ورسميون سابقون للحكومة الإسرائيلية للتعلم من التجربة المصرية في مواجهة الإرهاب، والتي كان آخرها الدعوة التي وجهها رئيس هيئة أركان الجنوب السابق في الجيش الإسرائيلي اللواء احتياط، تسيفي فوجل، والذي طالب الحكومة والجيش الإسرائيلي بالتعلم من الرئيس المصري كيفية مواجهة الإرهاب ودحره، والاستفادة من تجربته في التعامل مع المسلحين في سيناء، وكيفية مواجهتهم، مؤكداً أن إسرائيل عليها أن تتعلم من الجيش المصري في تعامله مع المنشقين والمسلحين، للتعامل مع حركة حماس في قطاع غزة. وبطبيعة الحال فإن الرضا الإسرائيلي له ما يبرره، فالتغيرات السياسية الجديدة في مصر تضمن لإسرائيل مكاسب شديدة الأهمية، تشمل:- تحييد الدور الشعبي وإبعاد المصريين عن الشأن السياسي وخاصة ما يتعلق بالأوضاع في سيناء، أو ما يتعلق باتفاقيات كامب ديفيد التي تمثل لإسرائيل عجلاً ذهبيا مقدسا. وبهذا تضمن إسرائيل ألا يتكرر ما حدث بعد مقتل الجنود المصريين في 2011، من مظاهرات شعبية حاصرت السفارة الإسرائيلية واقتحمتها، وأنزلت العلم الإسرائيلي من مقر السفارة، فيما مثل أول صدام مباشر بين الجماهير المصرية وبين إسرائيل. النظام الحالي يضمن ألا يتكرر هذا، ولهذا يحظى بدعم غير محدود من المسؤولين الإسرائيليين.- وأد التجربة الديمقراطية والتخلص من مفاجآتها، فالاعتماد على صناديق الانتخاب لتحديد من يحكم مصر يجعل إسرائيل أمام خطر مستمر في انتظار ما تسفر عنه إرادة الجماهير، ما يناسب إسرائيل أكثر أن يتم تغييب من تخشاهم على أمنها في السجون والمعتقلات، ثم إجراء الانتخابات بين من لا يحملون خططا عدائية تجاهها، أما الأفضل مطلقا فهو تعطيل العملية الديمقراطية برمتها والعودة لأسلوب نظام مبارك حينما كان الحكم محصورا في إطار "النخبة المعتدلة"، التي تستعين بمجموعة من الشعارات الديمقراطية كديكور للمشهد السياسي وليس أكثر من ذلك.- إحياء دور الوكيل الإقليمي المستعد لمواجهة الإرهاب بالأصالة عن نفسه والنيابة عن غيره، وتوجيه ضربات قوية لأعداء إسرائيل، وذلك من خلال محاربة الإسلاميين بشكل عام، وتصفية جماعة الإخوان المسلمين بشكل خاص، الداعم الأساسي لحركة حماس، سواء من خلال مواقف سياسية كان أبرزها اعتبار الجماعة جماعة إرهابية أو أحكام قضائية مثل الحكم الخاص بحظر حركة حماس في مصر وغلق مكاتبها، واتهامها بالتورط في عمليات اقتحام السجون وتفجير خطوط الغاز في شمال سيناء. فضلاً عن التوسع في عملية تدمير الأنفاق الحدودية التي تستخدم لتهريب البضائع لقطاع غزة المحاصر.وفي ضوء هذه المكاسب تبدو إسرائيل مستعدة للتغاضي عن جانب العلانية في العلاقات مع النظام الجديد، صحيح أن إسرائيل كان يثير تبرمها استنكاف الرئيس السابق من زيارتها، ولكنها ستقبل نفس السلوك من الرئيس الجديد، طالما مد يد العون في الملفات السابقة، واستمر على نهجه في التعاون الوثيق مع الجهات الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية، ووفر لها الهدوء الذي تحتاجه في جبهتها الجنوبية الغربية.