18 سبتمبر 2025

تسجيل

السعة في القرآن والضيق في هجره (1)

09 يوليو 2014

للقرآن في شهر رمضان روحٌ فريدة ، ومعانٍ عديدة ، تتفجر منه ينابيع الخير ، وينقل المسلم إذا فكر فيه بعقله وقلبه لا بأحدهما دون الآخر قال تعالى : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد، وفى كل عام يضيف إليَّ القرآن سعة في صدري وعقلي وروحي ، وهذه بعض جوانب السعة التي أحسستها وعايشتها مع القرآن في شهر رمضان:ـأولا : إذا عبد الإنسان الهوى ، والمال والجنس والجمال ، واللذة ، فهذا عقل العبد الذي يخدم عدداً كبيراً من السادة ، لاشك أن نفس هذا العبد تضيق بالمطالب المتعارضة لكلٍ ، لكن العبودية لله وحده خروج من هذا الضيق إلى سعة رحمة الله تعالى الخالق الملك القدوس المهيمن ، القوي الواسع الحكيم قال تعالى:{أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } (من الآية39) سورة يوسف، ولقد صور الله تعالى ذلك بالواقع الذي يعيشه الناس قال تعالى:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (29) سورة الزمر .ثانيا : الإنسان مع القرآن يخرج من ضيق التخطيط للدنيا لكي يخطط للدنيا والآخرة معاً قال تعالى :{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَاَ}(من الآية77) سورة القصص،{لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ في الدنيا والآخرة} (من الآيتين219-220) سورة البقرة، وقال تعالى : {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (201) سورة البقرة، وقد فقه هذا المعنى ربعي بن عامر عندما قال أمام ملك الروم : "إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عباده العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ...." أليس هذا أرحب وأوسع من هؤلاء الذين قالوا :{إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ}(37) سورة المؤمنون.ثالثا : يوسع القرآن من دائرة العلم عند الإنسان فعندما يؤمن البشر بالمادي المحسوس فقط مثل الأطفال ، يجعل الإيمان بالغيب جزءاً من أسس المعرفة ، بدلاً من أن يكون العلم عن طريق العقل البشري فقط يوسعه إلى دائرة العقل و النقل في الوحي الإلهي (قرآناً وسنة) ، بدلاً من أن نأخذ العلم من جهة واحدة ممن لا يسمعون إلا لأساتذتهم والمشاركين لهم في اعتقاداتهم جعل الإسلام الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها ، وبدلاً من اعتبار التعلم حقاً للإنسان ، اعتبره الإسلام فرضاً على كل مسلم ومسلمة :{فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (7) سورة الأنبياء، وقال ( :" طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة". وبدلاً من الإيمان بالخرافة والسحر والشعوذة والأوهام ، جعل الإسلام العقل مناط التكليف ، ولابد من تضافر العقل والقلب معاً في اعتقاد أية فكرة ، " وليس منا من تكهن أو تكهن له، وليس منا من تسحر أو تسحر له" كما جاء في الحديث الشريف .رابعا : يُخرج الإسلام الإنسان عن ضيق الاعتقاد بدين أو رسول أو كتاب واحد إلى الإيمان بكل الأديان السابقة ، والرسل جميعا ، والكتب المنزلة فقال تعالى : {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (136) سورة البقرة.خامسا : يخرج القرآن والسنة الإنسان عن ضيق الإقليمية ، والتعصب للبلاد أو القبلية إلى سعة الولاء لكل أرض فيها مسلم يعبد الله تعالى ، حتى نسي الأوسي والخزرجي ولاءه القديم وصار أنصارياً فقط ، وأحس المهاجرون بأن الأنصار منحوهم حباً وبذلاً وإيثاراً أخرجهم عن الولاء لمكة فقط إلى مكة والمدينة ثم إلى كل بلد دخلها الإسلام صارت جزءاً منا مثل فلسطين الأندلس ، الهند، الصين، هذه التي كانت جزءاً من كياننا الإسلامي لا زلنا نشعر نحوها بولاء متدفق عملي يجعلنا نسعى دوماً إلى استعادتها إلى رحاب الإسلام الواسعة، ولقد فتح هذه البلاد من قبل رجال من أجناس شتى فهذا صهيب الرومي يصلي ويصوم ويقاتل ويتعلم مع أخيه سلمان الفارسي ، وهؤلاء جنود في جيش عمرو بن العاص العربي ، والجميع تحرك في الأرض فاتحاً حتى وقف طارق بن زياد كأنما يخاطب المحيط الأطلنطي بقوله :لو كنت أعلم أن خلفك أمة يا بحر خضتك والروى أهواكوبهذا حوَّل الإسلام الإنسان من ضيق المواطنة إلى سعة الإنسانية ، وبني الإنسان لا ليكون مواطناً صالحاً فقط ، بل إنساناً صالحاً أيضاً ، وبهذا لا يجوز أن نقبل الفتاوى التي تجيز بيع لحوم الخنازير والخمور لغير المسلمين ، أو التعامل معهم بالربا أو الترخص في التعامل الأخلاقي لأن هذا ضد مقاصد الإسلام الواسعة .