12 سبتمبر 2025
تسجيلالقاضي له معايير واضحة لا يتأثر فيها بالرأي العام، وإذا رأى الحق فينبغي أن يصدع به دون خشية من غضبة الناس، هكذا يعلمنا القرآن هذا الدرس مع النبي – صلى الله عليه وسلم- الذي جلس في مجلس قضاء خلد القرآن ذكره، وصدرها بمبدأ عام فيه: (إِنَّا أنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا)[النساء: 105].وجمهور المفسرين على أن الآية نزلت بسبب حادثة رواها الترمذي حاصلها: أن إخوة ثلاثة يقال لهم: بشر وبشير ومبشر، أبناء أبيرق، وقيل: أبناء طعمة بن أبيرق، وقيل: إنما كان بشير أحدهم يكنى أبا طعمة، وهم من بني ظفر من أهل المدينة، وكان بشير شرهم، وكان منافقا يهجو المسلمين بشعر يشيعه وينسبه إلى غيره، وكان هؤلاء الإخوة في فاقة، وكانوا جيرة لرفاعة بن زيد، وكانت عير قد أقبلت من الشام بدرمك وهو دقيق الحوارى أي السميد فابتاع منها رفاعة بن زيد حملا من درمك لطعامه، وكان أهل المدينة يأكلون دقيق الشعير، فإذا جاء الدرمك ابتاع منه سيد المنزل شيئا لطعامه فجعل الدرمك في مشربة له وفيها سلاح، فعدى بنو أبيرق عليه فنقبوا مشربته وسرقوا الدقيق والسلاح، فلما أصبح رفاعة ووجد مشربته قد سرقت أخبر ابن أخيه قتادة بن النعمان بذلك، فجعل يتحسس، فأُنبئ بأن بني أبيرق استوقدوا في تلك الليلة نارا، ولعله على بعض طعام رفاعة، فلما افتضح بنو أبيرق طرحوا المسروق في دار أبي مليل الأنصاري. وقيل: في دار يهودي اسمه زيد بن السمين، وقيل: لبيد بن سهل، وجاء بعض بني ظفر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتكوا إليه أن رفاعة وابن أخيه اتهما بالسرقة أهل بيت إيمان وصلاح، قال قتادة: فأتيت رسول الله، فقال لي: "عمدت إلى أهل بيت إسلام وصلاح فرميتهم بالسرقة على غير بينة". وأشاعوا في الناس أن المسروق في دار أبي مليل أو دار اليهودي. فما لبث أن نزلت هذه الآية، وأطلع اللهُ رسولَه على جلية الأمر، معجزة له، حتى لا يطمع أحد في أن يروج على الرسول باطلا. هذا هو الصحيح في سوق هذا الخبر. ووقع في كتاب أسباب النزول للواحدي، ونزلت الآيات: (إِنَّآ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً وَاسْتَغْفِرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ في الْحَيَواةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً).إنه مبدأ عام ألا يتأثر القاضي بآراء الناس حوله عندما تظهر البينة، فالعدل هو أمان المجتمع، لايفرق بين أحد على أساس لون أو دين أو عرق، فالقاضي يؤم الحقيقة، وبما أن واحدا من الجماعة المسلمة قد سرق فليطبَّق عليه الحد، ولا يجوز أن يعفُوَا القاضي عنه، فمهمة القاضي أن يبين الحق ويصدر الحكم، وأما العفو فيكون من حق الطرف الآخر الذي قد يكون مجتمَعا بأسره وحينها لا بد أن يأخذ المجتمع حقه، وذكر ابن حجر عن أبي مطر: رأيت عليا أتي بسارق فذكر قصة فيها " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُتي بسارق ": "قالوا يا رسول الله أفلا عفوت؟ قال: ذلك سلطان سوء الذي يعفو عن الحدود بينكم".إن هذا المبدأ وعاه الرسول ورسخه، حيث حذر أسامة من أن يشفع في حد من حدود الله، ففي البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أتشفع في حد من حدود الله ؟ ثم قام فخطب قال: يا أيها الناس إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها.والحديث موصول إن شاء الله