25 سبتمبر 2025

تسجيل

ماذا فعلت مؤتمرات الصفقات للشعب السوري البطل؟

09 يوليو 2012

في الأيام القليلة الماضية عقدت ثلاثة مؤتمرات للنظر في شأن ما سموه الأزمة السورية مع أنها انتقلت حقيقة من أزمة إلى قضية ومأساة بكل المقاييس وأن ما يصب على الشعب المجاهد المصابر من جنود وشبيحة جهنم بات غير مبرر أبدا إنسانيا وشرعيا وقانونيا وأن ضمير المجتمع الدولي قد سقط سقوطا مريعا في امتحان الشعب السوري الذي كشف الأقنعة المزيفة لنظريات التقدم المبهر وعرى مبادئ حقوق الإنسان من مضامينها وأبان بأنها مجرد لافتات تقتل بشعاراتها كل مظلوم وتطيل أمد حل أي مشكلة وقضية بل تزيد في تفاقمها وما مثال فلسطين وكشمير وغيرهما عنا ببعيد، ورغم انعقاد الكثير والكثير من المؤتمرات لمعالجة المسألة السورية وثورة الشعب المباركة فإن النتائج التي يتوخى الوصول إليها لم تتحقق ولو في حدها الأدنى لصالح هذا الشعب المظلوم الذي ضحى ويضحي بكل غال ونفيس طلبا للحرية والكرامة، وأن كل ما اتخذ من توصيات وقرارات من قبل الجامعة العربية ومجلس الأمن والأمم المتحدة ومجموعة أصدقاء شعب سورية كان ذراً للرماد في العيون، ولم يكن فيه أي إلزام لعصابة الأسد الفاشية بالتنفيذ ومتابعة فعل ذلك وإلا! ولهذا لم نجد أي التزام من قبل اللانظام السوري بالاستجابة لتلك المطالب حتى بنود المبعوث الدولي كوفي عنان بنقاطها الست بل لم يتحقق حتى الأمر الأول منها وهو إيقاف العنف المسلح ضد الشعب والمدنيين حتى بلغ حصاد القمع منذ إطلاق مبادرة عنان حوالي ستة آلاف قتيل على ما أعلنه المرصد السوري لحقوق الإنسان في اتصال مديره رامي عبدالرحمن مع فرانس برس، وهكذا رأينا ونرى كيف أعطت هذه المؤتمرات بشكل مباشر أو لا مباشر بتخاذل أو تهاون أو تآمر ديكتاتور دمشق الأطغى مهلا وفرصا متكررة للمزيد من القتل وارتكاب أشنع الفظائع ثم مازالت المؤتمرات تترى فجاءنا مؤتمر جنيف الرسمي القانوني الذي ضم الدول الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن كمحطة تدريب أخرى على حساب دماء الشعب المصابر بين معسكرين في حلبة الصراع للتعبير عن ذات كل منهما ففي حين نرى أن المعسكر الغربي وعلى رأسه أمريكا يبيعوننا كلاما معسولا وأفعالا لم تؤثر على طغاة دمشق كالعقوبات التي فرضت وتفرض ويسيرون حسب نظام الصفقات والمصالح ويقفون مع الشعب السوري على مبدأ التمني لا التبني بوقائع تفرض على الأرض من محاسبة الجلاد والموافقة على نبض الشارع بإقامة مناطق آمنة وحظر جوي والمد بالمال والسلاح كما فعلوا مع دول أخرى، فإننا نجد في الطرف المقابل روسيا والصين ومعهما إيران وذيولها تستقوي بمجازر العصابة الأسدية وتراهن على بقائها، وبالتالي الحفاظ على مصالحها مراعية أكثر المراعاة وبعناية – كما هو الموقف الغربي في الباطن – أمن إسرائيل التي لا ترغب حقيقة في زوال نظام لم يقاتلها أبدا بل حقق لها عوامل التوسع في المستوطنات وجعل استقرارها من استقراره واللوبي الصهيوني خاصة في روسيا لا يفتأ يعمل للدفع في هذا الاتجاه كما هو في أمريكا تماما، ولا أبالغ إذا قلت: إن إسرائيل لو رفعت الغطاء حقا عن دمشق لتغيرت المعادلة لكنها تخشى من أي بديل عن الأسد إسلاميا كان أو علمانيا أو مستقلا. ولا شك أن مؤتمر جنيف بما جاء به من أفكار ليس لها أي ضمانات قد قفز على دماء الشعب وساوم عليها، فإن الطرح الذي اقترح الشروع في مرحلة انتقالية تملك الصلاحيات التنفيذية كاملة مع إغفال من يتابعها ويضمن تحقيق ذلك إذ في ظل وجود طغمة من نظام وحشي بأجهزته الأمنية السبعة عشر وجنرالات الجيش الخونة الذين يسلطون آلة القمع على الجماهير وعدم معرفة بقاء بشار الأسد على رأس هذه الإدارة الانتقالية أولا! كيف سيتم تطبيق وسلامة هذه الخطة؟ إذ أنه بينما أكد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن النص الذي اتفقت عليه الدول الأعضاء في مجلس الأمن حول عملية التحول السياسي يلمح إلى ضرورة تنحي الأسد، أصر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على أن البيان الختامي لا يشترط تخلي الأسد، ثم هاجم مؤتمر أصدقاء سورية الذي دعا إلى التنحي الحتمي للأسد أن مؤتمر جنيف حرف النص عن منطوقه ومفهومه وسياقه، أقول: طبعا لأن روسيا شريكة النظام في القتل وغير محايدة فكيف توافق على رحيل الطاغية ولديها بقية من أمل في بقائه؟ ثم إنها تؤازره بما في ميثاق الأمم المتحدة الذي يمنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة متغافلاً تأثير هذه الحرب اللاقانونية ضد الشعب على السلم والأمن الإقليمي والدولي. كما نسي لافروف أنه أقر بعظمة لسانه ولأول مرة في مؤتمر جنيف بكل صراحة: إننا لا نبرئ أعمال النظام السوري إنه يتحمل المسؤولية عن الوضع الأمني في البلاد وقد تأخر بإجراء الإصلاحات، فهذا هو النفاق بعينه وكذلك فإن إيران التي لم تدع إلى المؤتمر قالت على لسان نائب وزير خارجيتها حسين أمير إن اجتماع جنيف لم يكن ناجحا نظرا لغياب الحكومة السورية وغيابها مشاركا الموقف الروسي والصيني ومعبرا عن عدم حيادية إيران بل وقوفها مع الأسد فقط لأنه "علوي" ضد الشعب السني المظلوم وهكذا كان مؤتمر جنيف غامضا وغير مرض ولا كاف كما رأى وزير الخارجية الألماني جويدو فيستر فيليه وقال وزير الدولة السابق في وزارة الخارجية الألمانية جيرنوت ايرلر الذي يشغل اليوم ناطق كتلة الديمقراطيين الاشتراكيين إن الشعب السوري الذي انتفض منذ خمسة عشر شهرا لم يؤخذ رأيه بعين الاعتبار واستهزأت صحيفة برلينر تسايتونغ بكوفي عنان الذي دعا مع نبيل العربي لهذا المؤتمر قائلة: إن عنان متمسك بأهداب الأسد وكأن صلة قرابة تجمعهما دون عمل جدي لمعاناة السوريين من العنف كما أنه يجب ألا ننسى هذا الحل الرقيع بحكومة من الموالاة والمعارضة بعد كل هذه الشلالات من الدماء، وهل سيرضى الشعب لو ترك لحريته دون قمع حتى لو جرى استفتاء بالموافقة على استمرار هذه العصابة القاتلة؟ أما عن مؤتمر القاهرة الذي ضم المعارضة السورية بكثير من الممثلين عن الداخل والخارج وشخصيات أجنبية مرافقة فإننا نعتبر أن هذا المؤتمر الذي تم تأجيله عدة مرات ليرتب بعناية لإفشاله وإحكام المؤامرة بحسن نية من البعض وبسوئها من آخرين قد جاء أيضا في معظمه ضد تطلعات الشعب وكان مؤذيا ومحرجا ودالا على ضعف المسؤولية الذريع أن تخرج خلافات بعض أطياف المعارضة إلى العلن حتى تصل إلى حد التشابك بالأيدي وتدخل الأمن المصري لفض ذلك علما أننا لا نشك أن ثمة قسما مخلصا ووطنيا كبيرا ولكن مثل هؤلاء كأنه لا يراد لهم أن يكونوا في المشهد بخلاف المتاجرين والمتسلقين وبعض العملاء المنافقين للطغاة ومع ذلك فقد خرج المؤتمر ببيان توافقي بإيجابيات مقبولة نوعا ما يجب أن نعمل على تطويرها وتطويق الذين يضعون العصاة في العجلة والنصح بضرورة مواكبة نبض الشعب العربي والمسلم في سورية والذي خرج بجميع المظاهرات الاحتجاجية بشعارات إسلامية ووطنية ولا طائفية فأن لا تنص في الوثيقة حتى على أي أمر ديني ذي بال بل ينفي مباشرة على مبدأ فصل الدين عن الدولة فأين الانسجام مع الثوار الذين يتخذهم أرباب المصالح لهم قمصانا دون صدق وحق، وكذلك إعطاء الحق لمجلس الأمن والأمم المتحدة بالإشراف على تحديد مستقبل البلاد وغير ذلك مما بات معروفا بوثيقة العهد التي نتمنى مع ذلك أن يطبق معظمها ففيه فوائد بلا شك فالمهم العمل وليس الكلام فقط، أما عن مؤتمر أصدقاء سورية في باريس فمع كثرة الدول المشاركة فيه والتي أربت على المائة والخروج بإجماع على رحيل الأسد وهذا شيء إيجابي جدا ولكن المهم العمل الملزم على تنفيذه، وكما قال المعارض رياض سيف: إننا فخورون بصداقتكم لكن كيف لنا كل هؤلاء الأصدقاء ونقتل كل يوم؟ وجميل ما قاله وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم: لا نريد اجتماعات دون نتيجة ونستطيع العمل أكثر خارج مجلس الأمن أي تحت الفصل السابع إلا أنه للأسف ما خرج به المؤتمر هو المطابق للمادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة حيث يكتفي فيه بالعقوبات دون استخدام القوة فهل يمكن الانتقال إلى المادة 42 التي تجيز استخدامها للضرورة ولحماية الشعب الذبيح أم تكون المؤتمرات والمواثيق فرصة لذبحنا أكثر ولكن لعل الجواب عند الشعب والشعب فقط.