17 سبتمبر 2025

تسجيل

يرحلون

09 يوليو 2012

هناك وجع لا يهزمه شيء، بعض الأوجاع تضعنا في دهشة أو ربما صدمة، حيث يتساقطون عنا بلا خجل وبلا مشاعر، إنهم الأحبة الذين غلفت بهم قلبك ووجدانك واستندت إليهم ظنا منك بأنهم سيبقون ساعدك الأيمن وسيحمونك بمشاعرهم من غدر الأيام والليالي، حيث إنهم أجمل مما نتوقع وأنبل مما نتخيل وأقرب من الأنفاس ولكن فجأة ومع أول ظرف من ظروف الزمان القاسية تكتشف الحقيقة المرة وتكتشف أنهم لم يكونوا أكثر من ظل تتخيل أنه السند الوحيد ولكن ما إن تستند إليه حتى تجد نفسك ترتطم بالأرض بقوة لتسمع صوت انكسار القلب والمشاعر ولتزيد الأوجاع فوق الأوجاع حيث يسكن الكون على ظهرك وحدك وتثقل الأوجاع قلبك وحدك هكذا تصفعك الصدمة الأليمة فتفجع برحيلهم دون سابق إنذار يتساقطون من حولك ويتركونك وحيدا تصارع رعب الموقف ومرارة الفقد ودهشة السؤال، يتساقطون عنك رغم حرصك الدائم على بقائهم على عرش القلب والروح، يخلفونك وحيدا مثل شجرة تساقطت عنها أوراقها وثمارها وأزهارها وهربت منها العصافير والفراشات، إنها الظروف الصعبة يا صديقي، الأوجاع التي تأتي على غير موعد. تجعلهم يتساقطون عنك بقوة وتتعرى أمامنا وجوه اختفت طويلا خلف أقنعة النفاق لكن الأقنعة تذوب في المواقف الصعبة لأنها ليست من معدن أصيل، حين تساقطوا واحدا تلو الآخر تأملت ساعة رحيلهم بحزن ورأيتهم يهربون كاللصوص حيث لم يسمح لهم الوقت كي يرحلوا بكرامة ونبل، كانوا كلص يلملم أغراضه في الظلام ويرحل ناسيا أقنعته الملونة متجاهلا قبح موقفه وبشاعة المنظر لحظة انكشاف حقيقته، إنهم يا صديقي أولئك الذين لم نتوقع منهم الخذلان والرحيل يوما لأن بيننا وبينهم تفاصيل عشرة وحب وعيش وملح. تلك الأوجاع التي سكنتني فجأة لم تؤلمني بقدر ما آلمني رحيلهم وبقدر ما آلمتني الصدمة في بعض الأحبة، فبعدهم آمنت بأن الأغلبية مجرد قناع، عندما تكون في قمة فرحك يحيطونك بالحب والاهتمام الذي لا تحتاجه أبداً منهم، فإذا ما لمحوك تسقط سقوط الجمل، غرسوا سكاكينهم ومضوا بصمت. هنا تبدأ القلوب الوفية بالتجلي والحضور، تساندك بقوة لم تتخيلها يوما ولم تتوقعها منهم أنهم ذلك المعدن الأصيل من البشر، يأتون من بعيد حيث كانوا دوما ليكونوا لك السند والأمان لحظة عجزك ووجعك، إنهم من رفضوا دوما لبس الأقنعة وبقوا بوجوههم الحقيقية، ولذلك أبقتهم الأيام على هامش القلب دون أن نعلم أنهم أقرب إلينا من الروح والأنفاس.