19 سبتمبر 2025
تسجيلحقق رجب طيب أردوغان انتصارا شعبيا كبيرا في الانتخابات النيابية الأخيرة حاصدا نصف عدد الناخبين بالتمام. ومع أن أردوغان لم ينجح في تحقيق عدد كاف من النواب يمكنه من التفرد بالإصلاح في البرلمان كما يرغب فإنه لم يكن بحاجة لأحد لكي يشكل حكومته الجديدة التي يكفيها نصف عدد أعضاء البرلمان زائد واحد أي 276 صوتا في حين يملك أردوغان وحزب العدالة والتنمية 327 نائبا. هي الولاية النيابية الثالثة لحزب العدالة والتنمية والحكومة الأخرى في سلسلة متتالية من حكومات برئاسة أردوغان. مع كل حكومة جديدة تزداد وضوحا"بصمة" أردوغان. ومع أن المدافع الثقيلة في حزب العدالة والتنمية كانت مع وصوله إلى السلطة عام 2002 متعددة ومنها الرئيس الحالي للجمهورية عبدالله غول والزعيم القوي بولنت ارينتش،غير أن مركز الثقل في حزب العدالة والتنمية كان دائما ولا يزال رجب طيب أردوغان شخصيا.وإذا كان غول يمثل عقل الحزب وارينتش "قوة التقليد" فإن أردوغان هو الصوت الهادر والجاذب والذي يطلق عليه "الكاريزما". ولعل الفضل الأكبر لصعود الوجوه الموصوفة بالإسلامية في تاريخ تركيا الحديث يعود إلى الزعيم التاريخي نجم الدين اربكان الذي رغم كل كاريزماتيته لكنه كان يفسح دائما للوجوه الجديدة بالتقدم إلى الواجهة ونيل فرصتهم وتحقيق ذاتهم.ومن هؤلاء عبدالله غول ورجب طيب أردوغان. وليس أبلغ دليل على أهمية مشاركة الإسلاميين في الحياة السياسية والنزول إلى الأرض لمشاركة الناس همومهم وقضاياهم والتعرف عليهم عن كثب هو أن حكومة أردوغان الجديدة تضم معظم مساعديه عندما كان رئيسا لبلدية أسطنبول في منتصف التسعينيات.بل أن صورة أردوغان ونجمه كان بفضل موقعه ذاك الذي كان يعني الخدمة للناس وليس الشعارات. وهذا بالطبع سؤال مطروح على الحركات الإسلامية في العالم العربي وضرورة أن تشارك بكامل قوتها في الشأن العام ومنها الانتخابات البلدية والنيابية لكي تتلمس القضايا الأساسية للناس بعيدا عن المناكفات الفقهية التي لن تجلب رغيفا لفقير في القاهرة أو مشرّد في صنعاء. حمل أردوغان تجربته البلدية إلى البرلمان وإلى الحكومات التي لا يزال يقودها. هذا واحد من أهم الأسباب التي تحمل الناخب التركي لكي يصوّت لرجل مثل أردوغان. وأثناء الحملة الانتخابية أطلق أردوغان مشاريع وصفت ب "المجنونة" ومنها شق قناة بين البحر الأسود وبحر مرمرة موازية لمضيق البوسفور وإقامة ما يعرف بينهما بمدينة أسطنبول رقم 2. وتركيا التي تعرف نموا اقتصاديا استثنائيا وصل إلى 11 في المائة وتخطت بذلك النمو الموجود في الصين والهند تحتاج إلى سلطة تنفيذية قوية ومتخصصة لتتمكن من تنفيذ هذه المشاريع بكفاءة مهنية عالية.ومن خصائص الحكومة الجديدة أنها تضم وجوها متخصصة مارست العمل الوظيفي وليست غريبة عليه. غير أن التحدي الأكبر أمام الحكومة يبقى في مجالات السياسة. في مقدمة هذه التحديات إعداد الدستور الجديد.وإذا كان أردوغان غير قادر على إعداد دستور بقوة أصوات حزب العدالة والتنمية فقط فإنه يخطئ إذا اعتمد على الـ 53 نائبا لحزب الحركة القومية اليميني المتشدد ليصل إلى 367 نائبا الكافية حينها لتعديل الدستور في البرلمان. إذ أن الدستور يحتاج إلى توافق وطني ولاسيَّما مع التيارين الأساسيين المعارضين لحزب العدالة والتنمية.التيار العلماني الذي يمثله حزب الشعب الجمهوري وتيار الحركة الوطنية الكردية الذي يمثله حزب السلام والديمقراطية. إن إعداد دستور جديد من دون هذين التيارين أو حتى من دون أحدهما لن يجلب الاستقرار إلى تركيا. وانطلاقا من هنا فإن أهم التحديات أمام الحكومة الجديدة هو تحقيق اختراق في المسألة الكردية التي يبدو أن الأكراد مصممين على حسم الأمور إما في اتجاه تلبية مطالبهم من قبل أنقرة أو المضي في حل انفصالي كامل أو جزئي. كذلك تمثل مشكلات المجموعات الدينية والمذهبية تحديا قويا أمام الحكومة الجديدة. ومع أن السياسة الخارجية التركية بقيت في عهدة مهندسها أحمد داود أوغلو غير أن الإرباكات والإخفاقات التي واجهتها هذه السياسة في الآونة الأخيرة في المنطقة العربية وتحديدا منذ بدء ما يسميه الأتراك بـ "الربيع العربي" تحتاج لإعادة نظر جدية لاستعادة الدور والصورة والثقة التي اهتزت مع أكثر من دولة عربية.