30 أكتوبر 2025
تسجيليقول تعالى "لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" لعل هنا سببية فسبب الرشاد هو الاستجابة لله والإيمان به يقول القرطبي: "الرشد: الاستقامة على طريق الحق"، ويقول د. عشاق: الاستجابة لأمره مع الإيمان، هو الذريعة إلى جميع قيم الرشد ومحاسنه (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، فلا رشد مع الغفلة وانقطاع الصلة بالله والاستهانة بأمر الله وطاعته. ويقول: الرشد في كتاب الله عز وجل لا يخرج عن المعاني التالية: الإيمان والتوحيد، والهداية والاستقامة، والخير والنفع، والحق والصواب والسداد، وحسن التصرف في الأمور. وهنا سؤال: ما الرابط بين الصيام والرشد؟ إن الرشاد هو العمل والقول حسب الحكمة، وحسب مقتضى الوحي والعقل السليم، ومن خلال هذا الرشاد يستحضر العبد أوامر الله تعالى فيتبعها، ويستحضر نواهيه تعالى فيجتنبها، وفي ذلك استجابة لله تعالى وتحقيق للرشاد الذي يصبو إليه الإنسان. لقد كان فرعون يقول (وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) فيستخدم المصطلح البرّاق، كاستخدامه مصطلح الفساد ليعبّر عن نهج موسى (أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) ومصطلح الإخراج من الأرض (يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ) ومصطلح الطريقة المثلى (وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ)! إنّها كلمات خاوية يستخدمها المفسدون. وفي المقابل يأتي مؤمن آل فرعون بنفس المصطلح (سَبِيلَ الرَّشَادِ) ليستخدمه قائلا: (وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ) إن الكلمة إنتاج محايد، يستخدمه الجميع، ولابد لإقناع الإنسان من النظر إلى البراهين والأدلة. يقول عشاق: إن السنة هي الرشد كله، ولذلك نبه الله صلى الله عليه وسلم على ضرورة الحرص على اتباعها بقوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ)، وابتداء الجملة بـ(اعْلَمُوا)؛ للاهتمام، وقوله: (أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) خبر مستعمل في الإيقاظ والتحذير، فالمقصود إعلام الأمة باتباع ما شرع لها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحكام ولو كانت غير موافقة لمزاجها ورغبتها. وليتأمل بعد ذلك كيف جمعت الآية في إيجاز وإعجاز أسباب الرشد بقوله: (وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ)، وكيف نبهت إلى نواقضها وأضدادها بقوله: (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ). فاللهم اجعلنا من الراشدين .