12 سبتمبر 2025

تسجيل

المتشابهات في قصة آدم عليه السلام

09 يونيو 2016

في قصة آدم عليه السلام آيات المتشابهات، منها قوله تعالى: (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة ... ) [البقرة: 35] . وقال في سورة الأعراف [19] : (ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة ... ) . لقد جاءت آراء المفسرين حول هذه الآية على صنفين: الأول يرى أن الواو بمعنى الفاء، وأن هذا لتلوين المعاني(انظر مثلا: البحر المحيط 4/279)، والثاني حلل دلالة الفعل (اسكنوا) الذي جاءت الفاء أو الواو رابطة بينه وبين الفعل (كلا)، فرأى أن اسكنوا قد يضمن معنى ادخلوا، وفي هذه الحالة يكون الفعل (اسكنوا) في (اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا) بمنزلة الشرط، وكل فعل بمنزلة الشرط عطف عليه شيء بمنزلة الجزء منه عطف الثاني على الأول بالفاء مثل قوله تعالى: (وَإِذ قُلْنَا ادخلوا هذه القرية فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا)، فعطف كلوا على ادخلوا بالفاء لما كان وجود الأكل منها متعلقا بالدخول فكأنه قال إن أدخلتموها أكلتم منها، فالدخول موصل إلى الأكل، والأكل متعلق وجوده بوجوده. –(انظر مثلا: درة التنزيل وغرة التأويل 1/222) وإذا كان الدخول لا يستدعي زمنا، وقد تعلق الأكل به، وجاءت اسكنوا في الآية بمعنى ادخلوا كان العطف بالفاء دون الواو؛ لأنه لا يمكن الجمع بين اتخاذ السكن والأكل في آن واحد، بل يأتي الأكل عقب الدخول. أما قوله تعالى: (اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا) فالسكن هنا ليس معناه الدخول، وإنما يعني اتخاذ الجنة سكنا دائما، وهذا يتطلب زمنا ممتدا، والأكل ليس متعلقا بالسكن تعلق الجزاء بالشرط ومن ثم كان العطف بالواو، ونظيرها في القرآن: (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسكنوا هذه القرية وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ) فعطف كلوا على اسكنوا بالواو لأن القصد هو المكث الطويل، والجمع بين التمتع بطول الإقامة في الجنة والأكل منها. ومن المتشابهات في قصة آدم عليه السلام قوله تعالى في سورة البقرة:38 (فمن تبع هداي..) وفي طه 123: (فمن اتبع هداي..)، وفي هذا يعلل الكرماني بقوله: " قَوْله {فَمن تبع} وَفِي طه {فَمن اتبع} تبع وَاتبع بِمَعْنى وَإِنَّمَا اخْتَار فِي طه {اتبع} مُوَافقَة لقَوْله تَعَالَى {يتبعُون الدَّاعِي} أسرار التكرار في القرآن الكرماني 1/71 وقول الكرماني يعني أن تبع واتبع أتى موافقا للنظم الشكلي ففي سورة طه (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) وفيها أيضا (يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا). ولم يبين الكرماني وجه العلاقة والشبه بين الآيتين، مما يجعلني أقول إن الكرماني توقف عند رصد موضع التشابه، ولكنه لم يقم بتحليله، ذلك التحليل الذي يبدأ من البحث في صيغة تبع واتبع، وصيغة تبع ثلاثية واتبع فيها زيادة في مبنى الكلمة، والقاعدة تقول: إن الزيادة في المبنى تعقبها زيادة في المعنى، وموضع البقرة أتى بعد أن تلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه، وبعد التوبة قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولا يزال العهد قريبا بينهم وبين هذه التوبة، ومن ثم فإن جاء هدى من الله فإن اتباعه لا يحتاج بذل مزيد من الجهد لقرب الصلة والتوبة الأولى، وفي الموضع الأولى حديث عن تحذير آدم من أن يأكل من الشجرة، تحذير لم تكن فيه صيغة التأكيد التي وردت في سورة طه حيث قال: ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي، فالجملة مؤكدة باللام وقد، ورغم ذلك نسي آدم، وأعطي الهدى فأنساه الشيطان ذكر هذا الهدى، ومن ثم فإن ذريته سيغلب عليها النسيان، وسيكون اتباعها للهدى فيه نوع من بذل الجهد، ولذلك أتى الفعل اتبع ولم يأت تبع، والله أعلم.