31 أكتوبر 2025
تسجيلالشهرة تضيف على الشخص حكايات زائدة ممزوجة بالخيالات التي تغدق عليه مزيداً من ضروب التميز. فتغدو الشهرة مشروعاً نحو باحات من التفرد وبناء الثقة وخوارق القدرات في الممارسة والتعاطي مع الظروف. ولطالما حملت شواهد التاريخ نماذج وأسماء لشخصيات كانت طبيعية عادية " حملها وفصالها في عامين " ولكن الظروف صنعت منهم رموزاً ليكونوا معالم في تاريخ شعوبهم. بل تتأثر بهم الثقافات الأخرى وتتغذى من منهجهم بالحكم والنوادر. أحد هؤلاء هو سليل بيت حمل مع معالم الفقر إرث الأسرة المتحمسة لمكوِّن الخلافة العثمانية ومشروعها. ذلك هو بائع البطيخ ثم عمدة إسطنبول الذي غدا الآن رئيساً لحزب الأغلبية الحاكم في تركيا. السيد رجب طيب أردوغان بتاريخه النضالي في دهاليز السياسة التركية المعقدة مابين إرث الخلافة المفقودة وعباءة العلمانية الحاضرة وحراسة الإرث الإسلامي وحضارته العريقة والانفتاح نحو الغرب وشهوة مقعد الاتحاد الأوروبي؛ فأردوغان اللامع سياسياً بمواقفه وتاريخ خطبه ومناوراته مابين سنوات السجن وحزب الخلاص الوطني ثم حزب الرفاه ظل يحافظ على مشروعه المزاوج بين علمانية الدولة الحديثة واستعادة مسؤولية الخلافة تجاه الأمة التي تستلزم سلوكاً محافظا ًوهو ما يرفضه الشارع التركي الممتعض الآن والذي تستغله جهات تحاول النيل من أردوغان ومشروعه. وكأن الرجل يعيد صياغة جداول " مندل " في استخلاص موروث الأجيال وصفاتها. فحسب اقتباسات أحدى خطبه يبدو الرجل وفياً لموروث أمته فتتلبسه عباءة التصوف " أحياناً " رغم تزينه بربطات العنق الأنيقة التي تعكس جمالية وجودة الصناعة التركية الحديثة فهو اثنان في واحد أو أكثر من رجل في رجل كما تنعته الصحف التركية التي عادت إلى اقتباساته الشهيرة لإحدى المقطوعات من الشعر التركي القديم حين قال في أحد خطبه: " مساجدنا ثكناتنا قبابنا خوذاتنا مآذننا حرابنا والمصلون جنودنا وهذا الجيش المقدس يحرس ديننا " فالرجل بعد أن كان رمزاً للتفوق الاقتصادي ونظافة اليد وبر الوالدين وحارس الحريات في تركيا ودول الربيع العربي وقاهر الصهاينة والمناهض لجرائمهم في غزة كما فعل في منتدى (دافوس) حينما غادر مقعد الحوار مسجلاً بطولة تاريخية لشخصه ولبلاده لتصاغ حوله الحكايات والروايات حتى صار أردوغان شاغل الناس ومحبهم خاصة عند العرب منهم. فالرجل اليوم يواجه مظاهرات ميدان تقسيم وسط العاصمة التي كانت الباب العالي وعاصمة الخلافة فهل هي أزمة حديقة (جيزي) أم مواجهة رواد حانات الخمور أم هو مد المواجهات الطائفية التي تديرها قوى إقليمية بمباركة عالمية للنيل من هذا السياسي الطامح " لكاريزما " عالمية له ولبلاده بمواقفه تجاه الأحداث في دول الإقليم. فكان لا بد من إحراجه وإفشال مواقفه بجر تركيا إلى مستنقع المواجهة وتفجير المشهد التركي المستمتع الآن بجملة مكاسب اقتصادية في عهد حزب العدالة والتنمية الذي يحافظ على توازنات السياسة بين قيم الآمة التركية وعلمانيتها الحديثة. أظن أن سيناريو الربيع العربي بنسخته التركية كتب بعضه بمداد إيراني حسبما ظهر في بعض الهتافات والشعارات. وهذا قدر الموالين لطهران ؛ ينكشفون من مضمون هتافاتهم وألوان بيارقهم ويأتي التدخل الإيراني ربما لإحراج أردوغان ومواقفه إثر تبني حكومته للملف السوري ودعمه لحراك الحرية وثوراتها. فقد كان الرجل في المغرب العربي يدعم جهود التنمية في عهدها الجديد بينما الشارع التركي يؤجج ويشتعل. أيضاً مواقف الرجل وحكومته ضد المد الصفوي في العراق ومواقع أخرى تعيد إلى الأذهان المسؤولية التاريخية لبلاده تجاه الأمة. فالرجل يمثل موقفاً صلداً في مواجهة الظروف والتحديات ويستند إلى أكثرية برلمانية تدعم جهود الرجل للمحافظة على هوية المجتمع وقيمه بعقلانية حتى وإن جرها الإعلام إلى حلبة الصراع المقيت. فمن زار تركيا ما بين عام 2000 وبين عام 2012م سيلمس فارق الطفرة الاقتصادية والقوة الشرائية ومعدلات التصدير والجذب السياحي وهو ما يتحدث عنه غالبية الشعب بتقدير لأردوغان وحكومته. ومع أن رضا الناس غاية لا تدرك ناهيك عن تأهب الخصوم واندساسهم بين صفوف العامة. إلا أن أردوغان ربح أو خسر الموقف ضد خصوم الميدان سيظل اسماً مميزاً في تاريخ الأمة التركية.