14 سبتمبر 2025

تسجيل

بين المصالحة الفلسطينية والحبيب الأول!

09 يونيو 2011

 القيادة الفلسطينية الجديدة مطالبة بوقف اللهاث الدائم وراء التسوية منذ وقع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اتفاق المصالحة مع حماس والمتوقع والمتخوف منه أن يعود الاهتمام بعملية التسوية وأن تقدم له عروض تبدو سخية ومشجعة في سبيل إبعاده عن حماس والمقاومة.. ما حدث في هذا السياق أن أوباما ألقى خطابا أمام الآيباك اليهودي كذلك ألقى نتنياهو خطابا آخر أمام الكونغرس، والغاية كانت واضحة هي تحريك الماء الراكد وإقامة مواجهة ومراجحة بين عملية التسوية والمصالحة الفلسطينية.. لكن مضمون الخطابين جاء أقل بكثير مما يمكن أن يغري الفلسطينيين – السلطة – بشيء من ذلك.. ثم صدرت عن متحدثي السلطة تصريحات وتعليقات يمكن بجمعها أن تعتبر رفضا لمضمون الخطابين.. ذلك طمأن المتخوفين على المصالحة وأشعرهم بأن الحالة الفلسطينية ربما صارت أكثر تحصينا من الانقسام بعد أربع سنوات من التجربة المرة والمريرة.. ثم انطلقت المبادرة الفرنسية الأسبوع الماضي لنفس الغاية وفي ذات السياق.. و لم تكن أكثر من تلخيص وتسويق لمضمون الخطابين أضيف إليه هذه المرة فكرة مؤتمر دولي للسلام! تقدم فيه هذه المضامين ويثبت منها أو يلغي ما يتم التوافق عليه بين الفرقاء والوسطاء المعنيين.. فكرة المؤتمر الدولي للسلام تعتبر علامة فارقة ولها سحر خاص في وجدان فتح والسلطة.. رئيس وزراء العدو من جهته وفي مستهل جلسة حكومته يوم الأحد الماضي صرح بأن حكومته سترد على المبادرة الفرنسية بعد أن تدرسها وتنظر فيها بعمق.. وأوضح أنه سيناقش هذا الموضوع مع الإدارة الأمريكية أولا، وأن لديه تصورات خاصة بهذا الأمر، ثم أعاد تجديد مطلبه التقليدي بإلغاء المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس.. وقعت بعد ذلك مفاجأتان، الأولى يوم الاثنين الماضي عندما قبلت السلطة وبشكل رسمي وعلى لسان أحد مستشاري رئيسها محمود عباس بالمبادرة الفرنسية دون أية تحفظات ومتجاهلة ما سبق من موقفها الرافض لمضمون خطابي أوباما ونتنياهو.. ما بدا كأنه ردة فعل على موقف نتنياهو أمام الكنيست، والمفاجأة الثانية عندما رفضت كلينتون هذه المبادرة ثم العدو في اليوم التالي لقبول عباس بها ما أشعر بأن صمت أمريكا في البداية وما جاء على لسان نتنياهو أمام الكنيست لم يكونا أكثر من محاولة لإغراء عباس بها، ولدحره عن الثوابت الفلسطينية، والتعرف على مدى جديته في موضوع المصالحة وما إذا كان مستعدا للعودة إلى التسوية من جديد.. وأقول: المشكلة بالنسبة لنا هي أن رئيس السلطة ومستشاريه العشرة أو المائة لم يسألوا الشعب الفلسطيني عن رأيه في المبادرة الفرنسية لا من خلال المجلس التشريعي ولا من خلال هيئاته ومستقليه ولا حتى من خلال حلفاء السلطة من الفصائل اليسارية.. والمشكلة أن رئيس السلطة تسرع في الرد ولم يحترم مرجعية لجنة المتابعة العربية التي طالما عزا تراجعاته ومواقفه – المرفوضة فلسطينيا – لها، ولم يحترم اللجنة القيادية العليا المشكلة من الأمناء العامين للفصائل على أساس اتفاق المصالحة.. لسنا هنا نتحدث عن شكليات ولكن عن رئيس وعن سلطة تقول ما لا تفعل وتفعل ما لا تقول وتنفي اليوم ما تعهدت به الأمس والتجربة تقول إنها ستنفي غدا ما تتعهد به اليوم!! يبدو أن رئيس السلطة ومستشاريه ومنظمته لم يلفتهم من كل المبادرة الفرنسية إلا فكرة المؤتمر الدولي، التي أغفلتهم عن كل التنازلات وعما انقلبت عليه من أسس ومرجعيات كانت لا تزال مكسبا من عملية التسوية في حد من الحدود، بالفعل لقد عرفت فرنسا كيف تخرج فكرة المؤتمر الدولي في الوقت المناسب ولغاية محددة ووقتية!! لكن الرئيس ومستشاريه ومنظمته لم يفطنوا – وربما فطنوا – إلى أن المبادرة أهملت قضية المهجرين والمبعدين الفلسطينيين، وأنها لم تشر إلى القدس كعاصمة لا للدولة الفلسطينية ولا حتى للدولتين كما هو متداول سياسيا.. في المقابل أشارت إلى قيام دولتين لشعبين في تناغم واضح مع شروط نتنياهو وبالذات شرط الاعتراف بالدولة اليهودية! وتحدثت عن تبادل أراضٍ متفق عليه بين الطرفين ما يعتبر قبولا بضم المستوطنات ومحيطها الأمني وطرقها الالتفافية وما يعتبر مؤامرة على الفلسطينيين المعروفين بعرب الـ48.. المبادرة تناولت أيضا ذات الترتيبات الأمنية لدولة العدو التي حددها نتنياهو بوجود عسكري " إسرائيلي " في غور الأردن وفي مرتفعات الضفة وتقطيعها – أي الضفة - بين حواجز عسكرية وأن تكون الدولة الفلسطينية القادمة منزوعة السلاح.. السؤال هنا: بماذا تختلف هذه المبادرة التي تسمى " فرنسية " – من قبيل توزيع الأدوار! – عما جاء في خطاب أوباما ثم نتنياهو أمام الآيباك والكونجريس والذي أدانته السلطة واعتبرته إعلانا لموت التسوية وانقلابا على كل أسسها؟ ولماذا لا يفهمون مغزى توقيت المبادرة (بعد المصالحة الفلسطينية، وفيما بين ذكرى النكبة وذكرى النكسة، وقبيل استحقاق سبتمبر والأمم المتحدة)؟ أم أن السلطة لا تزال تقيم على ما عهدناها , حيث تقول ما يرضي الناس وتفعل ما تريده هي أو ما يملى عليها إملاءً؟ وحيث إنها لا تزال غارقة في إدمان وغرام التسوية ومسالكها؟ وإنها على ذات العقلية , حيث تعتبر كل بادرة أو مبادرة وبصرف النظر عن حقيقتها وغايتها ومضمونها فرصة لا يجوز تفويتها وهامشا لمعالجة البطالة السياسية التي تعانيها؟ وحيث لا تزال تتجاهل حصيلة الفشل كل سنوات التفاوض والتنازل والتطبيع والمجاملات العشرين الماضية التي لم تتمخض إلا عن المزيد من تبديد وتشتيت الثوابت الفلسطينية؟ السلطة وإذ تقبل بالمبادرة الفرنسية تتناسى ما لطالما تحدثت عنه وزعمته من الإصرار على تغيير المنطلقات وتثبيت المرجعيات وتأكيد الالتزامات وكل الإنشاء الاستهلاكي الذي كانت تردده وتستثمر فيه.. وهي لا تراعي أن المصالحة الفلسطينية تقتضي في أبسط مستوجباتها أن تشارك القوى الفلسطينية في صنع القرار السياسي، وأن تبادر لرفع سقوفها استثمارا وتقاسما للمجد معها ولو من باب التناسب الذي يثبت قاعدة الارتكاز الأساسية للمصالحة إن لم يكن عن قناعة والتزام.. القضية ليست مجرد مجاملة أدبية - كما قلنا - ولكنها التزامات وبنود اتفاقات التزمت بها السلطة.. ثم وبلسان المواطن العادي نتساءل: أين التأثر بالثورات العربية والتناغم مع امتداداتها في ذهن السلطة؟ وأين دماء شهداء العودة الذين سقطوا يوم النكبة ويوم النكسة على حدود الوطن؟ وأين الذين سيسقطون في قادم الأيام مع كل مناسبة وطنية وما أكثرها من مناسبات سينتقل فيها الفعل الفلسطيني والعربي من الاحتفال والتهريج إلى التضحية وهز حدود الكيان!؟ وأين أثر ذلك وتداعياته على طريقة وحدود المقبول والمرفوض فلسطينيا؟ وإذا كان عباس يستنكف عن استشارة أو مشاركة المعارضة والمقاومة ويخشى أن تضع له العراقيل أو تشاركه التمثيل ؛ فأين تصريحاته بأنه سيعود إلى العرب وإلى لجنة متابعتهم – التي توافقه على الكثير ولا تنافسه في القليل؟ وأين القيادة الفلسطينية التي يفترض أن تتشكل من الأمناء العامين للفصائل والتنظيمات الفلسطينية والتي يفترض أن تباشر مهامها بعد المصالحة؟ وأين أين؟!! آخر القول وبصراحة: لقد أثبتت موافقة السلطة على المبادرة الفرنسية ودون استشارة الشعب الفلسطيني أو الفصائل أن التسوية بالنسبة لها ومهما نقلت فؤادها حولها ستبقى الخيار الاستراتيجي الذي لا تعرف عنه محيصا والحب الأول الذي كلما ذكر اسمه أو خطرت ذكرياته اهتز كل كيانها وسقطت كل تمنعاتها! هذه هي السلطة وهذه حالها.. فعلى القيادة الفلسطينية الجديدة المشكلة على أساس المصالحة أن تستخدم صلاحياتها وأن تقف بوجه هذا الإنتاج المستأنف والمسف للعجز واللهاث الدائم وراء التسوية.. لكننا وفي كل الأحوال لن نقول فلتذهب المصالحة إلى سواء الجحيم.. لسبب بسيط هو أن الغاية من كل هذا العبث أن نقول ذلك..