19 سبتمبر 2025

تسجيل

من سيدير تركيا؟

09 مايو 2015

تفرض الانتخابات النيابية التركية في السابع من يونيو المقبل، أي بعد أقل من شهر، نفسها على المشهد السياسي الداخلي كما الخارجي.فتركيا بلد إقليمي مؤثر ويتوقف على طبيعة السلطة القائمة فيها الكثير من خياراتها في الساحات الخارجية ولاسيَّما في محيطاتها المجاورة مباشرة.غير أن هذه الانتخابات، في أبعادها الداخلية، لا تشبه سابقاتها بل تختلف عنها في الكثير من النواحي.هذه الانتخابات تكتسب أهمية لجهة النتائج التي ستسفر عنا حيث إنها المرة الأولى التي ستكون كل نقطة فيها ذات أهمية في تغيير الخريطة البرلمانية وبالتالي السياسية للبلاد.هذه الانتخابات مهمة أولا لرئيس الحكومة وحزب العدالة والتنمية أحمد داود أوغلو الذي يخوض أول انتخابات نيابية بصفة رئيسا للحزب والحكومة. وهو جاء إلى هذين الموقعين بعد رئاسة تاريخية لهما لرجب طيب أردوغان الذي انتقل إلى رئاسة الجمهورية. وأحمد داود أوغلو يريد أن يثبت أنه ليس مجرد ظل لأردوغان أو من زعماء الصف الثاني وهو بالتالي يريد أن يظهر شخصيته وزعامته خصوصا أن الدرب السياسي أمامه طويل وقد لا ينتهي عند رئاسة الحكومة والحزب.وحزب العدالة والتنمية نال في آخر انتخابات نيابية حوالي 49 في المائة وذلك في العام 2011. ولا يرغب داود أوغلو في أن يحصل حزبه رقما أقل من ذلك ولو بقليل حتى لا يعطي ذلك إشارة خاطئة إلى حجم حضوره وتأثيره على الحزب وعلى الرأي العام.والانتخابات مهمة جدا لرئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان الذي بعدما انتقل إلى رئاسة الجمهورية فقد القاعدة الدستورية والقانونية للتحرك الداخلي حيث إن صلاحيات الرئيس محدودة وإن كانت مؤثرة. في حين أن مركز الثقل في النظام السياسي التركي هو لرئيس الحكومة. لكن أردوغان بحيوته لا يرغب في أن "يتقاعد" وهو موقع رسمي كما كان الحال مع جميع رؤساء الجمهورية السابقين، لذا فإن أردوغان اليوم يتحرك على أساس أنه يجب أن يعود دستوريا الرجل الأول في البلاد لجهة صناعة القرار السياسي. وهذا بالطبع يتطلب تعديلا للدستور لم يكن متاحا من قبل لعدم امتلاك الحزب غالبية الثلثين (367 مقعدا) في البرلمان التي تتيح تعديلا دستوريا. كما أنه لم يكن يملك 330 مقعدا الضرورية لتأييد إحالة أي مشروع لتعديل الدستور إلى استفتاء شعبي.لذا فإن أردوغان يرى إلى الانتخابات المقبلة على أنها انتخاباته هو رغم أن الدستور يمنعه من التدخل إلى جانب أحد الأحزاب، لكن أردوغان يتصرف كما لو أنه هو لا يزال رئيسا لحزب العدالة والتنمية ويقوم بعقد المهرجانات اليومية في حثّ للشعب للتصويت لحزب العدالة والتنمية. وهكذا يخوض حزب العدالة والتنمية الانتخابات برأسين: أردوغان وداود أوغلو وهذه سابقة تحصل للمرة الأولى.لكن المفارقة أن فوز الحزب بغالبية ثلثي مقاعد البرلمان أو نيله حتى 330 مقعدا وإجراء استفتاء شعبي على النظام الرئاسي تعني إلغاء موقع رئيس الحكومة أي أن هذا النظام الجديد سيجعل من رئيس الجمهورية هو الذي سيترأس الحكومة كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي فإن جهود داود أوغلو تحمل تناقضا ذاتيا. فسعيه لتثبيت زعامته من خلال نيل أكبر نسبة تأييد شعبي تعني تلقائيا تزايد فرص تعديل النظام إلى نظام رئاسي وإعادة مركز الثقل لأردوغان.لذا فإن الانتخابات المقبلة تحمل مفارقات متعددة أهمها ما يخص دور حزب العدالة والتنمية في الحياة السياسية وهو في هذه النقطة يواجه تحديات التجديد بعد 13 عاما من الهيمنة على الحياة السياسية ومن جهة ثانية كيفية مواجهة احتمال ألا يحصل على ثلثي المقاعد أو على 330 صوتا أي مع تعذر تعديل النظام. وما إذا كان أردوغان، حينها، سيواصل التحرك من موقعه في رئاسة الجمهورية كما لو أنه لا يزال زعيم حزب العدالة والتنمية والحكومة.