13 سبتمبر 2025

تسجيل

جدلية حرية الصحافة والديمقراطية

09 مايو 2015

تتحرك بعض الضمائر والأقلام كل سنة في اليوم العالمي لحرية الصحافة والذي يصادف الثالث من شهر مايو من كل سنة لتقف عند موضوع حرية الصحافة وحالها خلال السنة التي مضت، كما تتوالى التقارير المختلفة من المنظمات التي تعنى بوضعية حرية الصحافة في دول العالم عن عدد ضحايا القلم وعدد السجناء وعدد المفقودين وعدد الذين تعرضوا للخطف والتنكيل والتعذيب. النتيجة في آخر المطاف أن حرية الصحافة أصبحت في خطر سنة بعد سنة، تعاني من مضايقات وتربصات وسطو واستغلال من قبل القوى الفاعلة محليا ودوليا، فالمنظومة الإعلامية لم تسلم من السلطة السياسية ومن السلطة المالية ومن الإرهابيين وتجار المخدرات..إلخ. فالجميع ينادي بحرية الصحافة، لكن كل طرف لديه إطار محدد ومفهوم معين لحرية الصحافة، والضحية في نهاية المطاف هي الحقيقة والجمهور. إذا انتهج الإعلام ثقافة التبرير والتمجيد والإشادة والمدح والتسبيح فهذا يعني أن الأمة قد اختارت النفاق الجماعي والاجتماعي وابتعدت عن الشفافية والصراحة والنقد والنقد الذاتي والرأي والرأي الآخر.في هذه الحالة يصبح الخطاب الإعلامي دون معنى ولا جدوى، نجده مليئا بالتناقضات الصارخة بين الواقع الذي نعيشه والواقع المفبرك التي تصنعه وسائل الإعلام وفق معايير محددة وأطر معينة. وهذا يعني شللا أو عقم القطاع الاستراتيجي في المجتمع سمي في الغرب بالسلطة الرابعة وفي أمريكا بكلب الحراسة. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، لماذا شلل النظام الإعلامي في معظم الدول العربية؟ وما هي أسباب عدم فعاليته ومصداقيته؟ لماذا ثقافة التنظير للسلطة وثقافة التملق وثقافة التبرير و"كل شيء على أحسن ما يرام" بدلا من الاستقصاء والنقد والكشف عن الحقائق والمساهمة في إرساء ثقافة الرأي والرأي الآخر والسوق الحرة للأفكار. العلاقة بين الإعلام والمجتمع علاقة جدلية وعلاقة تأثير وتأثر، فالإعلام القوي بحاجة إلى مجتمع مدني قوي وإلى الفصل بين السلطات وإلى قضاء مستقل وحياة ديمقراطية شفافة وواضحة المعالم. من جهة أخرى ينبغي على المنظومة الإعلامية في المجتمع أن تناضل من أجل كسب المزيد من الحرية والاستقلالية والحرفية والمهنية وبذلك المصداقية واحترام الجميع. يعتبر الإعلام المنبر الرئيسي للديمقراطية وللسوق الحرة للأفكار وللرأي والرأي الآخر، فهو مؤسسة تسهر على تنوير الرأي العام وتشكيله حيث إن الرأي العام هو السلطة الحقيقية في المجتمع، والإعلام الفعال الذي ينتج الديمقراطية ويؤثر فيها ويتأثر بها هو ذلك الإعلام الذي يستند إلى مجتمع مدني فعال وإلى قوى مضادة داخل المجتمع تعمل على إفراز ثقافة ديمقراطية وحراك سياسي يقوم على المراقبة وكشف الحقائق ومواجهة الفساد والتجاوزات واستغلال النفوذ والسلطة. الإشكال المطروح هو أن الجميع يلوم وينتقد الإعلام وكأن القطاعات الأخرى في المجتمع العربي بألف خير وعلى أحسن ما يرام، الحقيقة هي العكس تماما حيث إن معظم القطاعات في المجتمع تعاني من مشكلات وتناقضات عدة، فالإعلام ما هو إلا نظام فرعي من النظام الكلي وبذلك فهو جزء لا يتجزأ من هذا النظام، فالدول العربية بحاجة إلى إصلاح النظام وإلى تحرير الفرد في المجتمع وإلى توفير مستلزمات وشروط السوق الحرة للأفكار والمجتمع المدني والمؤسسات المستقلة الديمقراطية التي تؤمن بالحرية وبالشفافية وبالنقد والنقد الذاتي، أسباب عقم الإعلام العربي متعددة ومختلفة فمنها ما يتعلق بالمحيط الذي تعمل فيه، ومنها ما يتعلق بالحرفية والمهنية ومنها ما يتعلق بالمصداقية ومنها كذلك ما يتعلق بالعلاقة مع السلطة والعلاقة مع مصادر الأخبار والمعلن، ومنها ما يتعلق بالعوامل الخارجية كالتبعية والقيم الدخيلة..إلخ. تعاني المنظومة الإعلامية العربية جملة من المعوقات والمشاكل المهنية والتنظيمية جعلتها تفشل في تحقيق الكثير من مهامها الإستراتيجية في المجتمع، وبما أن الصحافة العربية في أي مجتمع عربي لا تستطيع أن تكون فوق النظام والأطر التي يسير وفقها المجتمع ككل بحيثياته وعناصره ونظمه فإنها باعتبارها جزءا فرعيا من النظام الذي تعمل فيه وتتعاطى معه تتأثر بالمناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي السائد، فالسلطة في العالم العربي مازالت تنظر للصحافة كأداة لتثبيت شرعيتها ووسيلة لتعبئة الجماهير وتجنيدها، وحتى دور الصحفي في المجتمع يُنظر له على أنه مكمل لدور السلطة وأجهزتها المختلفة فهو مطالب بالتغطية والمدح والتسبيح لكنه إذا استقصى وحقق وانتقد فيصبح من المغضوب عليهم، فمعظم قوانين النشر والمطبوعات في العالم العربي جاءت مجحفة ومقصرة في حق المؤسسة الإعلامية وفي حق الصحفي، الأمر الذي أفرز عند هذا الأخير ثقافة الرقابة والرقابة الذاتية ومن ثمة قتل ثقافة صحافة الاستقصاء والبحث عن الحقيقة وقتل روح المسؤولية والالتزام والنزاهة والموضوعية عند الصحفي، مما يؤثر سلبا على الديمقراطية. التحدي الأكبر الذي يواجه الدول العربية في مجال الإعلام هو تحريره وتحرير الطاقات والمهارات والإبداعات، التحدي يتمثل في الاستثمار الأمثل في القدرات والطاقات والإمكانات المادية والبشرية لإرساء قواعد ومستلزمات صناعة إعلامية متطورة رشيدة وفعالة وقوية تستطيع أن تشكل الرأي العام والسوق الحرة للأفكار والمجتمع المدني الذي يؤسس للديمقراطية وللالتزام والشفافية والحوار الصريح والبناء من أجل مصلحة الجميع. كل هذه الأمور تتطلب الدراسة والبحث وإقامة علاقة متينة وتفاعل وتبادل وحوار صريح بين السلطة والمؤسسة الإعلامية والقائم بالاتصال ومصادر الأخبار والجمهور من أجل إرساء قواعد الثقة والمصداقية والفعالية في الأداء وبهذا تتوفر المستلزمات والشروط لوضع إستراتيجية إعلامية وسياسات إعلامية تنهض بالعباد والبلاد إلى مصاف الدول المتقدمة والفاعلة في العالم. وفي الأخير ينبغي طرح السؤال التالي: ماذا نريد من الإعلام في الوطن العربي؟ المحافظة على الوضع الراهن وبذلك التبرير والتنظير أم تغيير الوضع وبذلك الاستقصاء والنقد والكشف عن الأخطاء والتجاوزات. سؤال يجب الإجابة عليه بصراحة وشجاعة إذا أردنا للإعلام العربي مكانة ودورا في الديمقراطية والتنمية المستدامة. فلا ديمقراطية دون إعلام قوي وفعال ولا إعلام قوي دون ديمقراطية، ما يعني أنه يجب الإيمان الراسخ بضرورة جعل المؤسسة الإعلامية مؤسسة اجتماعية مسؤولة على نشر ثقافة الرأي والرأي الآخر والنقاش والحوار من أجل الحكم الراشد والمواطن المسؤول عن ازدهاره وتقدمه ونجاحه في عملية الارتقاء بوضعه ووضع المجتمع ككل. فالجميع يجب أن يتساءل عما نريد من الإعلام: التضليل والتنميط والتبرير أمام الشفافية والصراحة والرقابة والمساءلة لخدمة الكلمة الحرة والحقيقة ومن ثمة ازدهار ورقي المجتمع.