18 سبتمبر 2025
تسجيلبعد أربعة أشهر من إقرار الدستور الديمقراطي التوافقي مع بداية هذه السنة؛ ها هو المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) أقر في جلسته المنعقدة يوم الخميس غرة مايو الجاري القانون الانتخابي الجديد في جلسة صاخبة شهدت صدامات بين النواب واتهامات بعضهم بالخيانة والمطالبة بمساءلة بعضهم الآخر، وقد تبنى المجلس القانون الجديد بعدما صوّت 132 نائبا لصالحه، فيما صوت 11 نائبا ضده وتحفظ 9 نواب آخرين عليه، وهو ما سيتيح تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية قبل نهاية العام الحالي، وسيقود لاحقا لإنهاء الفترة الانتقالية المستمرة منذ ثلاث سنوات في البلاد.كان مشروع الفصل 167 من القانون الانتخابي أثار جدلاً ساخناً خلال عملية التصويت على مشروع القانون الانتخابي بسبب رفض نواب المجلس هذا الفصل الذي يحظر ترشح قيادات حزب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي للانتخابات، إذ نص على منع أي شخص تحمل مسؤولية في حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي تم حله بقرار قضائي إضافة إلى أي عضو في حكومات بن علي من الترشح للانتخابات التي من المقرر تنظيمها قبل نهاية 2014 وفق الدستور التونسي الجديد.واستثني من المنع كل مسؤول حكومي لم يكن عضوا في التجمع الحاكم في عهد بن علي.وتم إسقاط الفصل 167 المتعلق بالعزل السياسي، والذي تمّت العودة إليه في صيغة معدلة غير توافقية بمقتضى الفصل 93 من النظام الداخلي للمجلس بعد أن حصل على موافقة 100 صوت فقط واحتفاظ 46 نائبا بأصواتهم ورفض 27 آخرين. ولم يكتمل النصاب القانوني لتصويت نواب المجلس التأسيسي لصالح الفصل 167 من مشروع القانون الانتخابي، الخاص بمنع التجمعيين من الترشح للانتخابات القادمة، ما أدى إلى سقوط الفصل بحصوله على 108 أصوات واحتفاظ 43 نائبا بأصواتهم ورفض 23 آخرين، بعد أن افتقر إلى صوت واحد حتى يتم تمريره 2014.وفيما يلي نص الفصل 167: "لا يمكن أن يترشح لانتخابات مجلس نواب الشعب كل من تحمّل مسؤولية صلب الحكومة في عهد الرئيس المخلوع باستثناء من لم ينتم من أعضائها إلى التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، كما لا يمكن الترشح لكل من تحمل مسؤولية في هياكل التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل وفق مقتضيات الأمر عدد 1089 المؤرخ في 3 أغسطس2011.وتبقى هذه الأحكام سارية المفعول إلى حين تطبيق منظومة العدالة الانتقالية وفق الفقرة 9 من الفصل 148 من الدستور".ومن آخر فصول القانون التي تم تبنيها الخميس فصل حول اعتماد لوائح تكون مناصفة بين النساء والرجال في الانتخابات التشريعية.. في المقابل فشل مقترح بشأن فرض حصة للنساء في رئاسة القوائم.وقد التقت أكبر حركتين سياستين في الحكم والمعارضة، والأمر يتعلق بحزبي "النهضة" و"نداء تونس" حول رفض تمرير قانون العزل السياسي وتركه للمواطنين في الانتخابات، وهو اتفاق يمثل محطة مهمة أخرى باتجاه إنهاء المرحلة الانتقالية وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية للانتقال إلى المرحلة الدائمة. في عملية التصويت على الفصل المتعلق بالعزل السياسي في القانون الانتخابي، انقسمت كتلة حركة النهضة، إذ صوت 39 نائبا مع القانون، و5 ضده، بينما تحفظ 26.وكشفت نتائج التصويت لكتلة النهضة أن الشيخ راشد الغنوشي لم يعد مسيطراً على واقع الحركة، رغم تأكيده على موقف حركة النهضة الرافض للعزل والإقصاء، لكن نصف نواب الكتلة (39نائباً) صوتوا عكس ما أمر به الغنوشي، بينما لم يثبت الولاء الحقيقي لخيارات القيادة سوى 5 نواب فحسب، واختار 26 نائباً التحفظ حتى لا يغضبوا القيادة التاريخية للحركة، ولا يؤججوا غضب القواعد المتشددة لقانون العزل السياسي. وكانت أحزاب المؤتمر والتكتل، والتحالف الديمقراطي، والكتلة الديمقراطية، قد صوتت لمصلحة قانون العزل السياسي.وصرّح زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي أثناء حضوره للمجلس التأسيسي لمناقشة تصويت النهضة على الفصل 167: «نحن لا نريد الزج بالمسار الانتقالي في الخطر خاصة وهو في مراحله الأخيرة، وموقف قيادة النهضة يتبنى عدم التصويت على الفصل وجئنا لإقناع النواب بهذا الموقف»، أما عن موقف قواعد حركة النهضة فقال الغنوشي: «قواعدنا جزء من الشعب ونحن نركن إلى مصلحة الوحدة الوطنية»، وشدد على أنه تم بذل جهد كبير لإعادة قطار تونس على السكة ولذلك يجب إنهاء المرحلة الانتقالية بسلام. أما عن إمكانية إبرام صفقة لإسقاط هذا الفصل فقال إن النهضة لا تأتمر بأوامر أي طرف، وتحصين الثورة لا يكون إلا للشعب.وقد لاقى مشروع قانون تحصين الثورة معارضة شديدة من أغلب الكتل داخل المجلس الوطني التأسيسي لأسباب عديدة. فهناك من يرى أن العدالة الانتقالية وحدها هي المخوّلة للنظر في الأمر وتحديد المسؤوليات حول من ارتكب تجاوزات خلال مرحلة الديكتاتورية السابقة، وهناك طرف آخر يعتقد أن القضاء هو الإطار الأسلم لتدارس هذا الملف المثير للجدل، لكن هناك رأي صائب يمثله الأستاذ الحقوقي قيس سعيد الذي بيّن أنّ الشعب وحده هو المُخوّل للمعاقبة والحكم على من عمل في النظام السابق عن طريق الانتخابات واقترح أن يكون الانتخاب على الأفراد لا على القائمات حتّى لا يحدث ما حدث في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي.وكان أبرز المعارضين لهذا القانون هو السيد الباجي قائد السبسي، مؤسس ورئيس حركة نداء تونس، الذي قال في وقت سابق إن قانون تحصين الثورة وضع على مقاسه، فوصفه بالقانون غير الطبيعي، معتبراً أن تحصين الثورة هو مهمة من قام بها وأن من قام بالثورة هم شباب المناطق المحرومة غير المؤطر، وليست له زعامات سياسية احتج من أجل التشغيل والفقر والحرية وليس من أجل نواقض الوضوء. وقال إن استحقاقات الثورة هي صياغة دستور جديد في مدة لا تتجاوز سنة وهي تنظيم انتخابات نهائية تسمح بالاستقرار في البلاد.وعبر السيد خميس كسيلة النائب عن حزب نداء تونس، الرابح الأول من إسقاط قانون العزل السياسي، عن اعتزازه بالمشاركة رفقة بقية نواب نداء تونس في إسقاط الفصل 167 من مشروع القانون الانتخابي، معتبراً في إسقاط الفصل المتعلق بالعزل السياسي إسقاطاً للعقل الانعزالي الداعي للفتنة وتقسيم التونسيين إلى فرقتين متاخمتين، مضيفاً أن عدم تمرير العزل في الفصل المذكور يمثل تخفيفاً على القانون الانتخابي. وأكد كسيلة أن حزب نداء تونس يدعم تفعيل العدالة الانتقالية والقضاء المستقل الذي يتولى الحسم في تركة الماضي ومحاسبة من تورطوا في منظومة الفساد ولطخت أيديهم بدماء التونسيين. أما الخاسرون من إسقاط الفصل 167، فهم كثر، لعل أبرزهم حزب المؤتمر وحزب التكتل، وحزب وفاء، وهم الأحزاب المتحالفة مع حزب النهضة الإسلامي. لكن يبقى اليسار متمثلا بالجبهة الشعبية هو الخاسر الأكبر، إذ قدم نواب الجبهة الشعبية تصورهم الخاص في شكل مقترح تعديلي في الفصل 167 وقعه كل من منجي الرحوي وحطاب بركاتي وفتحي اللطيف وأحمد السافي ومراد العمدوني، وينص المقترح على أن «يخضع العزل السياسي لقانون العدالة الانتقالية»، لكن تم سحب التعديل بعد مفاوضات في لجنة التوافقات التي ارتأت سحبه. يرى المحللون المتابعون للمشهد السياسي التونسي المتحرك أن الجبهة الشعبية صُدِمَتْ من إسقاط الفصل 167 من مشروع القانون الانتخابي الحالي، وبنيت هذه المقاربة على التصويت الجماعي لنواب الجبهة على التمرير حيث صوت مع الفصل كل من فتحي عبداللطيف ومنجي الرحوي وحطاب بركاتي وأحمد السافي.. وذهبت بعض الأطراف إلى التأكيد على أن هذا التصويت سيتسبب في شرخ في جبهة الإنقاذ الإطار السياسي الذي يجمع الجبهة الشعبية بحزب نداء تونس، واعتبار أن إسقاط الفصل قضى على آمال اليساريين في جبهة الإنقاذ في تمرير اسم مرشح للانتخابات الرئاسية إذا ما تم تطبيق العزل على الباجي قائد السبسي.استندت بعض الأطراف التي استشرفت أزمة سياسية في جبهة الإنقاذ بين حزب نداء تونس والجبهة الشعبية على تصويت نواب الجبهة وعلى التصريحات القوية لنواب الجبهة ولاسيَّما النائب منجي الرحوي الذي أكد أن عدم تصويت حركة النهضة على الفصل 167 الخاص بالعزل السياسي يؤكد وجود صفقة بين التجمعيين وحركة النهضة تشبه الصفقات التي عقدت خلال سنوات 87 و88 و89 وأنه على الشعب التصدي لعودة الفساد والاستبداد حسب تصريحه. واعتبر أن المصادقة على القانون الانتخابي «وضاعة وخيانة من التأسيسي». وأعرب الرحوي عن عدم استعداد الجبهة الشعبية للتعامل مع القانون الانتخابي المصدق عليه، مبينا أنه "لا يؤمن الآليات الكفيلة لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة".