12 سبتمبر 2025

تسجيل

منطق السكون ومنطق التدافع

09 مايو 2012

ثمة طريقتان للنظر إلى الظواهر والتعامل مع المشكلات؛ طريقة تفضل أن تتعامل مع الظواهر وهي في أقرب أوضاعها إلى السكون، وطريقة أخرى تقترب من الظواهر والمشكلات وهي في حالة حركتها وتفاعلها، ويمكن ملاحظة الفرق بين الطريقتين في الأسلوب الذي يفهم به البعض ظاهرة مثل الاستقرار، فالاستقرار يمكن فهمه على أنه مجرد طريقة للحفاظ على الوضع الراهن، كما يمكن فهمه على أنه مقدرة على التعافي والتغلب على التحديات. ووفقا للتعريف الأول، يتطلب الحفاظ على الاستقرار القبول بالوضع الراهن أيا كان، وتسخير كافة الإمكانات لاستدامة هذا الوضع على الرغم مما قد يشوبه من قصور وخلل. أما التعريف الثاني فيرتكز على تصور أكثر ديناميكية للاستقرار، لا يترادف بموجبه المفهوم مع الحفاظ على الوضع الراهن بقدر ما يشير إلى المقدرة على استعادة التوازن حال الخروج عنه بفعل فاعل. ورغم أن الإنسان قد خلقه الله سبحانه ليتدافع مع غيره من الأشخاص والأحداث والأشياء وفقا للمعنى الثاني للاستقرار، إلا أن الميل إلى السكون وتفضيل الوضع الراهن على غيره من الأوضاع يمثل رغم ذلك هدفا لدى العديد من الجماعات ذات النزعة المحافظة، ومنها لسوء الحظ العديد من الجماعات الإسلامية، التي قد تفضل القبول بالوضع الراهن على ما به من خلل درءا للفتنة وتجنبا للفوضى وحفاظا على الأمن إلى آخر ما يسوقه المنتمون إلى هذه الجماعات من تبريرات. وفي هذا الإطار يمكن أن نفهم سلوك ممثلي التيار السلفي وجماعة الإخوان المسلمين إزاء التطورات التي شهدتها الساحة المصرية في الفترة الأخيرة، والتي يأتي على رأسها موقف الجماعتين إزاء أداء لجنة الانتخابات الرئاسية، ثم موقفهما من أحداث العباسية وما شهدته من مواجهات دامية، ففي كل هذه التطورات فضل ممثلو التيار الإسلامي من السلفيين والإخوان الركون إلى المعنى السلبي للاستقرار، عبر الحفاظ على الأوضاع على ما هي عليه وتجنب الدخول في مواجهات صريحة مع الأطراف المسؤولة عن هذه الأزمات. الأمر الذي أضفى على أداء الجماعتين الكثير من عدم الاتساق سواء مع المقولات الأساسية لهما أو مع سنن التدافع التي ركبها الله سبحانه في المنظومة الاجتماعية. أما عن التبرير الذي ساقه ممثلو الجماعتين لمواقفهما السلبية، فتمثل فيما رأوه من أهمية المضي قدما نحو عقد الانتخابات الرئاسية في موعدها مهما كان الخلل الذي يعتري إجراءات التجهيز لهذه الانتخابات وبغض النظر عما إذا كانت لجنة الانتخابات الرئاسية المسؤولة عن التحضير لها تمارس عملها وفق القانون أو وفق الهوى الشخصي لأعضائها، فالمهم هو الاستمرار حتى لا يرتبك الوضع الراهن، وحتى لا تنشأ عوامل تعوق استمرار مسيرة التحول. هذه الطريقة في التفكير والأداء تسببت بعد ذلك في عزوف ممثلي الجماعتين عن محاولة حل العديد من الألغاز المرتبطة بأداء اللجنة العليا للانتخابات، ومنها على سبيل المثال لغز استبعاد أحد رموز النظام السابق من السباق الانتخابي بناء على قانون أقره مجلس الشعب وصدق عليه المجلس العسكري ثم السماح له بالعودة مرة أخرى للسباق الرئاسي. كما أفصحت هذه الروح التهادنية لممثلي هذه التيارات عن نفسها على نحو واضح عقب نشوب موقعة العباسية وما شهدته من مواجهات اقتربت في دمويتها مما يقوم به شبيحة النظام السوري من قتل للمعتصمين بدم بارد، وتمثيل بجثثهم، ومن اقتحام للمسجد وتوقيف للفتيات، وفرار للبلطجية بمجرد ظهور قوات الشرطة العسكرية، وعدم تمكن قوات الأمن من اعتقال أي فرد منهم، فيما تنجح في اعتقال ما يقارب المائتي متظاهر. ويخشى أنه إذا ما استمر ممثلو التيار الإسلامي على هذه البراجماتية المفرطة، أن يدفعوا ثمن ذلك خصما من رصيدهم الشعبي. وبخاصة عند جمهور الشباب الذي يزن الأمور بمعايير مبادئه وما يؤمن به بأكثر مما يزنها بمعايير المصالح والمفاسد وما قد تمليه من براجماتية على من يلتزمون بها في الحكم على الأشياء. كما أن ممثلي التيار الإسلامي عليهم ألا يتفاجأوا إذا ما اكتشفوا أن قطاعا كبيرا من جماهير المصريين سيستخدمون نفس معيارهم عند اختيار مرشح الرئاسة، وعليهم في هذه الحالة ألا يتوجهوا لهؤلاء بالنقد، فمن خلال معيار السعي نحو الاستقرار سوف تذهب قطاعات كبيرة من الجماهير لتأييد أحد مرشحي النظام القديم للإتيان به إلى كرسي الرئاسة، فالاستقرار من وجهة نظر الكثير من الناخبين هو استعادة نفس الأوضاع التي كانت عليها البلاد قبل الثورة، بما يعني استعادة منظومة العلاقات القديمة، وهذه من وجهة نظرهم لا تتحقق إلا من خلال أحد الوجوه التقليدية للنظام القديم. لقد كان الإسلاميون هم أولى الناس بعدم القبول بمهادنة الأوضاع الخاطئة. ولكن يبدو أنهم يفوتون حاليا هذه الفرصة من خلال جملة من المواقف البراجماتية والمتهادنة. فهل يعي ممثلو التيار الإسلامي مدى خطورة ذلك، وهل يدركون أنهم بتشجيعهم لسياسات الوضع الراهن إنما يشجعون الجماهير أن تمارس الاختيار في الانتخابات الرئاسية المقبلة وفقا لذات المعايير. إن تفضيل منطق السكون على منطق التدافع في هذه اللحظة الفاصلة من عمر الثورة المصرية يمكن أن يؤدي بالكتلة الغالبة من جماهير المصريين إلى نتيجة معاكسة تماما لما ترمى إليه الكتلة الإسلامية من وراء تراخيها الظاهر في التعاطي مع مشكلات المرحلة الانتقالية، فيما سيمثل خصما خطيرا من رصيد المشروع الإسلامي قد لا يمكن للقائمين عليه تداركه في المستقبل.