31 أكتوبر 2025
تسجيلشجعت أبناءها وبناتها لتحقيق أعلى المراتب والمناصب القيادية.. **المرأة القطرية نموذج مخلص ووفي نفخر بهما حيينا لكون المرأة تسهم في تنمية وبناء هذا الوطن **الراحلة أنجبت الوزير والحفيدة الوزيرة والطبيب والسفير والدكتور الجامعي والمهندس وتركت بصمة تكمّل مسيرتها "زمن الطيبين" ذلك الزمن الذي عاش فيه الآباء والأمهات بشكل مغاير عن الزمن الذي نعيشه اليوم .. إنه زمن الصفاء والنقاء والتعاون والتراحم والتكاتف في السراء والضراء .. وهو زمن قد لا يتكرر في وقتنا المعاصر .. لأن من عاش فيه قد غاب عنا ورحل من هذه الحياة .. تاركا بصمة قد لا تتكرر ولن يكون لها أثر في وقتنا الحاضر .. إلا من خلال استلهام دروسه والاتعاظ بفصوله وما خلفه لنا من حياة جميلة بحلوها ومرها .. قامت على الكفاح من أجل تحقيق النجاح للأسرة العصامية والمكافحة من أجل التسلح بالعلم وبناء الوطن في الزمن الصعب . هكذا كانت خالة والدي – رحمها الله - نجلاء بنت سعد بن صباح آل بوعفرة الكواري التي غادرتنا إلى الدار الآخرة قبل أيام وهي على مشارف التسعين سنة (على وجه التقريب)، والراحلة زوجة المرحوم - بإذن الله تعالى – سالم بن راشد آل بوعفرة الكواري المتوفى سنة1970 م، وقد عرف عنها معيشتها التي قامت على البساطة وحب الآخر والعطف على الصغير والكبير وتشجيع أبنائها وبناتها في السير قدما نحو مواجهة هذه الحياة وكسب العلم بكل التحديات والصعوبات وصولا إلى العيش الكريم وتحقيق حياة مثالية قوامها المنافسة الشريفة والكسب الحلال ومن ثم نيل أعلى المراتب بفضل هذا الكفاح لبناء الوطن . الراحلة عرفت بيننا بالمكانة العليا التي كانت تتحلى بها من حيث تشجيعها لأبنائها وبناتها وحتى أحفادها على السعي قدما في هذه الحياة نحو المشاركة في التنمية بلا خوف أو تردد، ونيل النجاح ومن ثم تحقيق السعادة للجميع وتكريس العمل الدءوب لخلق مجتمع يقوم على المثالية في مدرسة هذه الحياة . والراحلة أيضا خرّجت لمدرسة الحياة الوزير، والوزيرة الحفيدة، والطبيب، والسفير، والمهندس، والإداري، والأستاذ الجامعي في جامعة قطر، كما خرجت لنا حملة درجتي الماجستير والدكتوراه، وخرجت أيضا المسؤول والضابط في السلك العسكري .. وكل هذا لم يتحقق في يومين أو في سنتين .. بل تحقق بفضل توجيهها لتحقيق الأفضل دائما دون كلل أو ملل مع مواجهة معترك الحياة بكل جد واجتهاد. وعملت في حياكة وصناعة السدو وبناء بيت الشعر القطري قديما، وعاشت مع زوجها رحمهما الله حياة مليئة بالتضحيات من أجل بناء أسرة منتجة وهذا ما تحقق بعد ذلك، وقد تعلمت مبادئ القراءة والكتابة والحروف الهجائية والأرقام، والتحقت ببرنامج محو الأمية وتعليم الكبار مع انطلاقه في بداية سبعينيات القرن الماضي . أما ولادتها فكانت في أواخر عشرينيات القرن الماضي تقريبا، وسكنا في عدة بلدات وقرى في شمال قطر مثل: الغارية وفويرط والغشامية وعين سنان كما يقول أبناؤها . وبعد انتقالها للمعيشة بالدوحة العاصمة سكنت في عدة أحياء شعبية مثل: الرفاع، أم غويلينه، فريج بن محمود، والمنتزه، ثم مدينة خليفة الجنوبية، ثم استقرت بها الرحال في منطقة الدفنة مع ابنتها الدكتورة كلثم . وعرف عنها كذلك أنها تمتاز بالمرويات التراثية الشعبية من الأدب الشعبي القطري القديم مثل القصص والأمثال والحكم القطرية في سابق الزمان، كما عاصرت حياة المرأة القديمة وعملها في ذلك الزمان إبان شظف العيش وقلة الموارد، حيث يحكي أحد أبنائها عنها أنها كانت متخصصة في السدو وفن حياكة ”بيوت الشعر” وكانت متخصصة وماهرة في هذا العمل الذي ارتبط بعمل المرأة القطرية قديما . أما والدها فكان من نواخذة الغوص على اللؤلؤ وهو الربان سعد بن صباح آل بوعفرة الكواري، حيث امتلك بعض سفن الغوص في شمال قطر، وكانت وفاته في سبعينيات القرن الماضي . وللفقيدة بعض الأخوات، وأخ واحد هو (أحمد بن سعد بن صباح آل بوعفرة الكواري) ويعد اليوم أحد الرواة والخبراء في حياة الغوص وتاريخ قطر الاجتماعي خلال القرن الماضي ومن حفظة الأشعار والأحداث التاريخية القديمة . ومن أبنائها وبناتها الذين حققوا أعلى المراتب والمناصب العليا في الدولة نذكر منهم على سبيل المثال : - ابنها البكر راشد بن سالم الكواري مدير إدارة الجوازات القطرية لفترة من الزمن وهو اليوم يتجاوز عمره سن السبعين عاما، وقد كانت ولادته سنة 1943 م . - محمد بن سالم الكواري، من مواليد عام 1945 م، وهو من الرعيل الأول بوزارة التربية والتعليم في عهد الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني وزير المعارف ووزير التربية والتعليم السابق رحمه الله، وقد تخرج في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر المصرية سنة 1968 م حيث عمل في الوزارة بإدارة محو الأمية وتعليم الكبار ثم مديرا لشؤون التعليم والامتحانات ثم مديرا للشؤون الفنية، وبعدها التحق بوظيفة سفير سنة 1981 م في سويسرا كمندوب دائم للأمم المتحدة حتى سنة 1992 م، وهو حاصل على درجة الليسانس من بيروت في الحقوق أيضا، ونال درجة الماجستير مرتين في (العلاقات الدولية والمالية) من سويسرا . وقد قام بإنشاء مطبعة ودار للنشر وإصدار مجلة اقتصادية بعنوان" أسواق الخليج " وهي مجلة أسبوعية كان محمد رئيسا لتحريرها. - - سعادة السفير عبدالله بن سالم الكواري . وهو سفير في وزارة الخارجية . - الدكتور عبدالرحمن بن سالم الكواري الذي شغل منصب وزير الصحة العامة في سنة 1996 م . وهو حاصل على شهادة البكالوريوس من جامعة القاهرة سنة 1981 م، ثم نال الماجستير من بريطانيا سنة 1988 م، ثم درجة الدكتوراه من مصر سنة 2006 م . - الدكتورة كلثم بنت سالم الكواري من عضوات هيئة التدريس في كلية العلوم بجامعة قطر سابقا، وزوجها هو المهندس عجلان علي عمران الكواري الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية في الأمانة العامة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية . وقد التحقت بالعمل بجامعة قطر في سنة 1973 م، وتخرجت منها في الدفعة الأولى سنة 1977 م وفيها حصلت على المرتبة الأولى على كلية البنات بحضور الشيخة روضة حرم أمير قطر في تلك السنة ومنحت خلالها درع التفوق للجامعة في تخصص علوم / تربية ثم بكالوريوس تخصص العلوم، وحصلت على الماجستير سنة 1986 م ومن ثم الدكتوراه سنة 1992 م . - أحمد بن سالم الكواري صاحب أحد المناصب العليا في شركة قطر للبترول QP حيث شغل وظيفة (كبير المديرين للخدمات) - المهندس صلاح بن سالم الكواري وهو برتبة مقدم في سلاح الجو . - ابنها (خالد) رئيس قسم الخدمات الحكومية في راس غاز . - ابنها (سعد) وعمل بوظيفة رئيس قسم في الموانئ (الجمارك) . ** الدكتورة كلثم ترثي والدتها ابنة الفقيدة الدكتورة كلثم بنت سالم بن راشد الكواري رثت والدتها المرحومة – بإذن الله - نجلاء بنت سعد بن صباح الكواري وهي في الطائرة في طريقها من لندن إلى الدوحة، بتاريخ ٣١ مارس ٢٠١٧ م، تقول : " ورحلت رائحةُ الجنّة...رحَلت رائحة الطيبِ والعودِ والبخور..رحلت أم الجميع .. كنتُ على يقينٍ أن ساعةَ الفراق آتية ولكن لم أظن أنها بهذه القسوة .. لم أكن أظن أنني سأتمنى لك الراحةَ الأبدية لكي ترتاحي من هذه المعاناة والألم .. ليتني استطعتُ أن أفديك بروحي .. أو كما تمنى أخي أن يهبَك جزءا من جسده أو عضوا من أعضائه لتبقي معنا .. لتبقى معنا البركة والطيبة ورائحة المشمومِ والريحان .. كنت أعلم أن ساعةَ الوداعِ الأبدي قادمة لا محالة .. عندما ساقتني قدمايَ في صباحِ يومِ الوداع إلى غرفة العناية الفائقة بمستشفى - لندن بريدج - لأفتحَ بابَ الغرفة وتقع عينايَ على جسدكِ المُسَجّى على فراش المرض .. كنتُ أبحثُ عن الحياةِ في وجهكِ الطاهر الوديع فلا أجدها .. وينقبضُ قلبي وتتسارع دقاته .. والتفتُ سريعا إلى الممرضة الواقفة بجانبِ السرير وعينايَ تسألها قبل لساني عن الحال ؟ فتبادرني بنظرةٍ حزينة .. ويَشْرقُ لساني بالكلمات؟ هل دَنت الساعة ؟ .. نعم يا عزيزتي .. والدتك بانتظاركِ لتصلي من أجلها كعادتكِ كل يوم .. والدتكِ يا عزيزتي أبَتْ أن ترحل من غير أن تودعيها .. لم أتمالك نفسي فوجدتني أعدو في الغرفةِ الصغيرة .. أأطبعُ قبلة الوداع على جبينها الطاهر أم ألقي برأسي على صدرها لأرشفَ آخرَ جرعةٍ من حنانها .. أم أقبّل يديها الغاليتين .. ووجدتني أهرَع إلى قدميها لأشم رائحة الجنة وأتجرع من مسكها .. " أوليست الجنة تحت أقدام أمهاتنا " .. أمي..كم أنت عظيمة في تضحياتكِ .. عظيمة في دربك الطويل الذي لم يكن سهلا أبدا .. سهرتِ .. تعبتِ .. تجرحت يداكِ الحبيبتان بقسوةِ الزمن .. عاصرتِ الحروب والمجاعات .. شقيتِ كثيرا وتألمتِ وسكنتِ بيوت الشعر التي نسجتِ خيوطها بيديك الحبيبتين .. أنت وأمهات بلدي العظيمات، يا من عشتن شظف العيش ونعيم الحياة .. أنتن تاريخ بلادي .. أنتن يا من رددت أفواهكن ترنيمةَ الغوص وأنينَ الصواري .. اكتوَت أجسادكن بحرّ القيظِ واللهب .. يا من توَشّحتن برائحة الصحراء وزفر البحر .. ونعمتُنّ بعد ذلك برَغَد الحياةِ وحلوها .. أمي .. ألا ليت قلمي يستطيع أن يكتبَ جزءا بسيطا من ملحمةِ صبركِ وجدّك وكفاحكِ وتضحياتك .. ماذا أقول وماذا أكتب وقلمي يقف عاجزا عن الوفاء لكِ ولجيلِ الأمهات أمثالك ؟ .. أينَ نحنُ من جيلِ أمهاتنا العظيمات ؟! .. جيلٌ لم يكتب ولم يقرأ .. ولكنه أجاد الحديث ونهجَ النبي وقصارَ السور .. نظَمَ الشعر وحفظَ القصائد وردد الأهازيج .. جيل أميّ في القراءة والكتابة .. ولكنه ربّى أجيالا وغرسَ فيهم حبّ العلم والمعرفة .. يحق لي أن أفتخر بكِ يا أمي .. وسأظل أردد سيرَتكٍ العطرة يا أمي ما حييت .. وعزائي أنكِ تركتِ أجيالا من بعدكِ تذكرك وتدعو لكِ وتكمل مسيرتك .. أحبكٍ يا أم الخير والبركة ورائحة الجنة .. وسأظل أعيش على ذكراكِ الطيبة .. إلى جنة الخلدِ يا غاليتي .. استودعتك ربًّا عظيما كريما يُحسنُ مثواكِ ويتقبلكِ قبولا حسنا ويرحمكِ برحمته " . ** في الختام : لا ننسى أن الفقيدة أيضا خرجت لنا من مدرستها في هذه الحياة إحدى الحفيدات اليوم في منصب وزيرة للصحة العامة في دولة قطر، وهي الدكتورة حنان محمد سالم الكواري، ووالدها هو أحد سفراء قطر ورواد وزارة التربية والتعليم سابقا .. للفقيدة الرحمة وللأهل والأحفاد الصبر والسلوان .. إنا لله وإنا إليه راجعون . ** ومن هنا فإن المرأة القطرية كانت وما زالت قادرة على بناء الأسرة والمجتمع من خلال التصدي لتحديات هذه الحياة بلا تردد .. لأن الإيمان بمواصلة النجاح لن يتحقق إلا بالصبر على الشدائد ومن ثم سنجني الثمار بعد ذلك الصبر والانتظار . ** كلمة أخيرة رحم الله الأم المثالية نجلاء بنت سعد الكواري، المرأة العصامية والمكافحة التي عاشت في هذه الحياة وقد ساهمت في بناء مجتمعها وتغذية سوق العمل بكوادر قيادية ارتقت بالوطن أعلى الدرجات، وسيبقى اسمها محفورا في ذاكرة قطر كامرأة مثالية نفتخر بها على مدى الأيام والسنين .. وإلى جنان الخلود يا " أم راشد " . [email protected]