27 أكتوبر 2025

تسجيل

إرهاب الأغنياء وإرهاب الفقراء

09 أبريل 2016

الجميع يتكلم عن الإرهاب هذه الأيام والجميع يعاني من الظاهرة التي انتشرت في مختلف دول العالم، ومع الأسف الشديد معظم دول العالم خاصة المتقدمة منها تحارب الإرهاب بالإرهاب وتستعمل الإقصاء والتهميش وطرق تتنافى مع القيم الإنسانية لمعالجة الإرهاب. سجن جوانتنامو أحد المعاقل التي استعملتها أمريكا لسجن المئات من دون حق وبدون محاكمة؛ هذا السجن الذي وعد الرئيس الأمريكي بغلقه عند مجيئه للحكم قبل ثماني سنوات ما زال معقلًا للمشتبه بهم وما زالت أمريكا وغيرها من الدول العظمى تستعمل طرقًا ووسائل لمحاربة الإرهاب أقل ما يقال عنها أنها طرق تزرع بذور انتشار الإرهاب ونموه. فثقافة ربط الإرهاب بالإسلام وثقافة الإسلاموفوبيا التي أصبحت المادة الدسمة لمختلف وسائل الإعلام العالمية ما هي إلا وسائل لنشر الحقد والكراهية والإقصاء والخلافات والنزاعات بين شعوب العالم. ما زالت معظم دول العالم تنظر إلى ظاهرة الإرهاب نظرة سطحية مبسطة وبعيدة عن المسؤولية والغوص في الأسباب الحقيقية للإرهاب. فعندما نلاحظ حملات انتخابية رئاسية في أكبر وأعظم وأقوى دولة في العالم تُبنى على العنصرية وعلى إقصاء الآخر وعلى المطالبة بمنع المسلمين من دخول بلاد العم سام فهذا يعني بكل بساطة أن العالم في خطر وأن النخب السياسية والثقافية فيه تشجع على الإرهاب. كيف لا وأن هذه الدول والنخب تحكم على ديانة وحضارة من خلال تصرف غير مسؤول لبضعة أشخاص ينسبون أنفسهم لديانة معينة. فسلوك الشخص أيا كان لا يمثل بأي حال من الأحوال الدين الذي ينتسب إليه. رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس على سبيل المثال من هؤلاء الذين يحاربون الإرهاب بالإرهاب، الإرهاب الفكري والأيديولوجي والقيمي، يحاربون الإرهاب بالغطرسة وعدم احترام معتقدات وحضارة وديانة الآخر حيث إنه هاجم، الحجاب واعتبره رمزا سياسيا "لاستعباد المرأة"، وشدد على أن المذهب المتطرف من الإسلام يكسب معركة القلوب والعقول الإعلامية. وقال فالس في حديث بطاولة مستديرة حول الأسلمة، إن "الحجاب يُستخدم كرمز سياسي لاستعباد النساء". وقال فالس إن "بعض النساء يستخدمن الحجاب لتحدي المجتمع الفرنسي العلماني". وأضاف أن "الحجاب لا يمثل موضة عابرة، إنه ليس لونا ترتديه المرأة بل إنه استعباد للمرأة"، محذرًا من "الرسالة الأيديولوجية التي يمكن أن تنتشر وراء الرموز الدينية". وتابع: "علينا أن نفرق بين ارتداء النساء المسنات للحجاب وكونه رمزا سياسيا يشكل تحديا للمجتمع الفرنسي". تصريحات فالس جاءت شهرا بعد إثارة وزيرة حقوق المرأة الفرنسية، لورانس روسينيول، عاصفة من الجدل عندما قارنت "النساء اللواتي" يرتدين الحجاب بـ"الزنوج الذين دعموا العبودية". عندما تصدر مثل هذه التصريحات والتحاليل من قبل سياسيين على أعلى مستوى وعندما يطلب دونالد ترامب من خلال حملته الانتخابية في أمريكا منع المسلمين من دخول أمريكا فالأمر ليس بالهين أبدًا، بل إنه في قمة الخطورة. فعندما يفكر الساسة وأصحاب القرار بهذا المنطق فهذا يعني أن الإرهاب سيبقى بل سينتشر ويتضاعف. فعندما يتعلق الأمر برئيس وزراء لا يفرق بين الحرية الشخصية وبين التبرج والإساءة للآخرين فهذا يعني أن الأمر في غاية الخطورة. وعندما تنعدم ثقافة التسامح والحوار والتفاهم فهذا يعني أن ثقافة الإقصاء تبقى سائدة. كلام فالس وترامب وروسينيول يعكس أن العالم ما زال يعيش في عصر الاستعمار والاستيطان والاستعباد. نعم ما زالت الدول الاستعمارية الكبرى تنظر إلى العالم بنظرة الاستعلاء والكبرياء والاستعمار والاستعباد. وهنا نلاحظ قمة النفاق، دونالد ترامب على سبيل المثال لديه استثمارات وأعمال تقدر بالبلايين في الدول الخليجية ويطالب بمنع المسلمين من دخول أمريكا. فهو يتعامل مع المسلمين ويجني أموالا كبيرة من خلال معاملاته التجارية معهم لكنه يرفض دخولهم إلى بلده، أي منطق هذا وأي احترام وتعايش وتفاهم وتكامل مع الآخر.من جهة أخرى نلاحظ أن التعامل مع ظاهرة الإرهاب يغلب عليه طابع الابتزاز والاستغلال والتوظيف السياسي. فإذا نظرنا إلى تغطية العمليات الإرهابية نلاحظ أن ما يحدث في الدول الغربية يحظى بتغطيات إعلامية مكثفة وعديدة وأما ما يحدث في الدول النامية فتمر عليه وسائل الإعلام العالمية مرور الكرام. وكأن ضحايا الإرهاب في دول العالم الثالث لا قيمة لهم ولا شأن. ففي حادثة "شارلي إيبدو" على سبيل المثال نشرت وسائل الإعلام 22000 مقال عن 12 ضحية خلفتهم العملية، في نفس اليوم عملية إرهابية في اليمن خلفت 38 ضحية، عدد مقالات حادثة اليمن بلغ 565. فما نستنتجه من هذه الإحصاءات هو أن هناك إرهاب فكري ومعنوي وأيديولوجي وثقافي في التعامل مع الإرهاب من قبل الدول الفاعلة في النظام العالمي ومن قبل الدول التي تدعي أنها تحارب الإرهاب. وهل الإرهاب الذي يحدث في فرنسا أهم وأخطر من الإرهاب الذي يحدث في نيجيريا أو مالي أو ساحل العاج أو لبنان أو العراق أو سوريا أو ليبيا؟ فإذا قارنا تغطية حادثة "شارلي إيبدو" وحادثة اليمن نجد عدد 12 ضحية في فرنسا و38 في اليمن. فمن ناحية الأرواح البشرية نلاحظ أن ضحايا اليمن ثلاثة أضعاف ضحايا باريس لكن بالنسبة للتغطية نلاحظ أنه لا مجال للمقارنة حيث إن حادثة "شارلي إيبدو" حازت على 21، 435 مقالا أكثر من عملية اليمن. فأي إرهاب تتكلم عنه الدول الغربية وأي إرهاب تتكلم عنه وسائل الإعلام الغربية. فإذا نظرنا إلى مدى اهتمام وسائل الإعلام بضحايا العمليات الإرهابية نجد أن وسائل الإعلام الغربية تهتم 11 مرة أقل بضحايا الإرهاب في دول العالم الثالث مقارنة بالدول المتقدمة وهذا مؤشر خطير حيث إنه بهذه الطريقة فإن الإعلام الغربي، الإعلام المسيطر على جمع الأخبار وتوزيعها في العالم، يقدم صورة مضلله ومزيفة عن الإرهاب في العالم وكأن ضحايا الإرهاب هم الدول الغربية فقط وهم مواطنو هذه الدول. وهذا بطبيعة الحال تصرف غير مسؤول من قبل الدول الغربية ومؤسساتها الإعلامية فضحايا الإرهاب في العالم الثالث يمثلون عشرات الأضعاف من أمثالهم في الدول المتقدمة. وهذا يعني أن الرأي العام العالمي مغيّب تمامًا عن آلاف الأعمال الإرهابية التي تحدث في دول العالم الثالث.نخلص إلى القول إن وسائل الإعلام الغربية تتعامل مع العمليات الإرهابية بانحياز كبير وحتى مفهومها للإرهاب يختلف بحسب الضحية والبلد الذي وقعت فيه الجريمة. فالأرواح البشرية لا قيمة لها في دول الجنوب مقارنة بنظيراتها في دول الشمال. وهذا يعني أن عامة الشعب في دول الشمال على سبيل المثال ترى في حادثة "شارلي إيبدو" أنها عملية إرهابية تسبب فيها الإسلام والمسلمين والعرب. أما ما حدث في اليمن في نفس اليوم وبثلاثة أضعاف الضحايا فهو "لا حدث". بالنسبة للرأي العام في دول الشمال الإرهاب موجه للدول المتقدمة وللحضارة الغربية وهو صناعة الدول المتخلفة خاصة المسلمة منها التي ما زالت غير قادرة على مواكبة الحضارة والرفاهية التي تنعم بها دول الشمال. بمثل هذه التصرفات سواء من جانب وسائل الإعلام أو من قبل صناع القرار والسياسيين يبدو أن الطريق ما زال طويلا وطويلا جدا لاحتواء الإرهاب والقضاء عليه لأن ممارسات وسبل مكافحة الإرهاب إلى حد الساعة تتسم بالإرهاب وتتسم بالعنصرية والإقصاء والكيل بمكيالين.