19 سبتمبر 2025
تسجيلكان الأتراك في التسعينيات يعدون المشكلات التي توجد في محيطهم الإقليمي من البلقان إلى القوقاز إلى الشرق الأوسط. وكانوا يقولون إن أكثر من 60 - 70 في المائة من مشكلات العالم موجودة في محيط تركيا.هذا صحيح إلى حد كبير. ويذكر أيضا بما كان قاله الإستراتيجي الشهير والمستشار السابق للأمن القومي الأمريكي زبيجنيو بريجنسكي من أن قلب العالم في التسعينيات هي منطقة أوراسيا وهي التي تتحكم بشكل العالم.كان ذلك بعد تفكك الاتحاد السوفيتي واستقلال الجمهوريات عن الاتحاد السوفيتي ومعظمها في منطقتي القوقاز وآسيا الوسطى. وهما منطقتان تقعان ضمن المجال الحيوي لتركيا خصوصا أن العديد بل غالبية هذه الجمهوريات من أصول تركية.لكن لو أن بريجنسكي أزاح قوس قلب العالم إلى الجنوب قليلا لكان شمل منطقة الشرق الأوسط التي تشتعل منذ العام 2011 بأكثر مشكلات العالم سخونة ودموية ولكان أصاب أكثر. ذلك أنه لو لم تكن المنطقة التي عرفت ما يسمى بالربيع العربي هي المنطقة الأكثر حساسية وتأثيرا في التوازنات الإقليمية والدولية لما استمرت أبواب الدم فيها مفتوحة منذ خمس سنين وهي تدخل عامها السادس "واثقة الخطوة".لم تبق دولة وقوة في العالم من الغرب والشرق إلا وكان لها إصبع في سوريا والعراق واليمن وليبيا وما إلى ذلك.تقاطعت وتداخلت المصالح الكبرى والصغرى. كل يريد حصة له في كعكة الدم والنفط والممرات الإستراتيجية. وأدوات هذه المشاريع التنوع العرقي والديني والمذهبي والخلافات السياسية.من هذه الزاوية يمكن النظر إلى مشكلة ناغورنو قره باغ والصراع بين أرمينيا وأذربيجان الذي تجدد وإن بشكل محدود قبل أيام.فجأة ومن دون مقدمات كانت الحرب تنفجر بين البلدين ويسقط قتلى بالعشرات وتستخدم منذ اللحظة الأولى أسلحة ثقيلة ومتطورة كما لو أن الطرفين كانا ينتظران هذه اللحظة ويستعدان لها.أذربيجان وأرمينيا ضحية اللعبة السوفيتية منذ تأسيس الاتحاد السوفيتي. كان الحكام السوفيات يمعنون في تغيير الخرائط الداخلية. هذه المنطقة تلحق بتلك الجمهورية وهؤلاء القوم ينقلون من هنا إلى هناك كما لو أنهم مجرد كراسي ينقلونها من غرفة إلى غرفة داخل المنزل الواحد.النظرية الماركسية التي زعمت أنها حلت مشكلة القوميات بالاعتراف بها وبلغاتها، وهذا كان أمرا حقيقيا، لم تنجح في رسم الخطوط الجغرافية لمشكلة الأقليات. ومن هذه الأخطاء مثلا، بعد تأسيس الجمهورية الأرمينية وجمهورية أذربيجان، إلحاق إقليم ناغورنو قره باغ الأرميني بجمهورية أذربيجان. وما أدراك ما العلاقة بين الأذريين المسلمين الأتراك وبين الأرمن المسيحيين.هذه الحلول لمشكلة الأقليات أو للعلاقة بين القوميات لم تكن لتؤدي إلا إلى خلافات لا بد أن تنفجر متى توافرت الظروف لذلك. بطبيعة الحال لا يمكن أن تعطى دولة مستقلة لكل قومية. لكن أيضا لا يمكن أن يكون الحل بإلحاق قسري لقومية بدولة أخرى.الأمر شبيه جدا بالمسألة الكردية في الشرق الأوسط في العراق وإيران وتركيا وسوريا. في ظل غياب مقومات الدولة الحديثة التي تساوي بين مكوناتها كان لا بد للمشكلة الكردية أن تنفجر ولو على مراحل تارة في هذا البلد وتارة بذاك.الأقليات دائما كانت وقود القوى الكبرى الإقليمية والقوى العظمى دوليا. وحيثما توجد مسببات وبذور نزاع كانت تستخدم كتتمة للمشكلات المنفجرة في أماكن أخرى. وناغورنو قره باغ هي منطقة في قلب خط التماس التاريخي والجغرافي والسياسي بين القوى المتصارعة في أوكرانيا وفي سوريا والعراق والشرق الأوسط ككل.يمكن توجيه الإصبع إلى هذا الطرف أو ذاك بأنه يوظف الخلاف الأذري – الأرمني. ويمكن أن يكون لهذا النصيب الأكبر وغيره النصيب الأصغر. لكن قلب المشكلة يبقى في الاستخدام القاسي من قبل القوى الكبرى للقوى الصغرى التي تذهب دائما ضحية صراعات المصالح التي لا ترحم.