14 سبتمبر 2025
تسجيلالتلبيس هو إدخال الأشياء المتباعدة في بعضها جهلاً بالحقيقة الكبرى وإن أدرك المُلبِّس بعض تفاصيلها، كما قال تعالى عن بني إسرائيل: "وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (البقرة:42)، ومن ذلك جدالهم حول ذبح البقرة، وتكرار الأسئلة الموهمة، فصغار الأطفال يعرفون ما هي البقرة لكنهم سألوا أولا: ماهي البقرة؟ ثم ما لونها؟ ثم ما هي؟ مرة أخرى ليعودوا بالتلبيس إلى السؤال الأول، فالتلبيس اختصارًا هو: استعمال الحق مع الباطل معا لتشويه الحقيقة، أما التدليس فهو: العلم بالحقائق الكبرى وتعمد قلب الحق باطلا بالتغيير والتحريف والتبديل والتزييف، وقد كان بنو إسرائيل ولا يزالون أساتذة التدليس بلا منازع؛ فقد قالوا عن الله تعالى: "يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ" (المائدة:64) - تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا- وهم موقنون من بسط الله الأرزاق بالليل والنهار، وعبدوا العجل وقد علموا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا، وأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم فقالوا لسيدنا موسى: "اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ" (الأعراف:138)، وقد علموا أن الله واحد أحد فرد صمد لكنهم دلَّسوا عمدًا ومع سبق الإصرار والترصد، وطلبوا طعاما غير ما يرزقون فقالوا: "فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا" (البقرة:61)، وقالوا لسيدنا عيسى: "هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَـزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ" (المائدة:112)، إن أنبياء الله تحولوا إلى رجال أعمال في فتح المطاعم فيطلبون طلبات مخصوصة، وموائد ممدودة، وهو قمة التدليس والتلبيس معا!، فلما طلب منهم أن يقولوا: "حطة" أي: يارب حط عنا خطايانا، دلسوا تدليسًا مبينًا وقالوا سخرية من الله ورسله: "حنطة" أي: قمحًا!، كأنهم طلبوا الحنطة بدلا من المغفرة، وطلب من اليهود ألا يصطادوا يوم السبت فنصبوا الشباك يوم الجمعة ليلا ليصيدوا الأسماك التي تأتي شُرَعا يوم السبت ابتلاء لهم فرسبوا بقوة في الامتحان ومارسوا التدليس بالاصطياد غير المباشر يوم السبت بهذه الحيل الرهيبة، وصاروا بهذا في أعلى سلم التدليس على الله تعالى!هكذا هو حال إعلام وقنوات "الانقلاب" التي تعج بأساتذة في التدليس والتلبيس حيث يضخمون الأمور ويضخون كل ساعة العديد من الأخبار والوقائع المغلوطة والتي يقصد فيها التدليس والتلبيس على الناس.أدعو عقلاء القراء والمشاهدين وطلاب الحقيقة أن يتريّثوا كثيرا في تصديق الأخبار والأرقام والإحصاءات والاستبيانات من الإعلام فإن الأصل فيها الكذب والبهتان والتدليس والتلبيس، وأن يكونوا منصفين ويحكموا العقل والمنطق في تصديق الوقائع.