10 سبتمبر 2025
تسجيللاشك أن هناك من الأضرار المادية على الصناعات والسلع المحلية التي تتأثر أسعارها نتيجة لعمليات الإغراق أو ما يمكن أن نسميه الغزو الخارجي الذي يهدد الأسواق الخليجية المنفتحة أمام سلع ومنتجات العالم شرقه وغربه وحتى من الهند والصين، بعد إغراق الأسواق بمختلف المنتجات الصناعية والسلع الزراعية، فقد تجاوزت خسائر بعض دول الخليج الخمسة مليارات دولار في السنة الواحدة، حتى في ظل مكافحة قضايا الإغراق، التي تعد من أكثر الملفات صعوبة وتعقيدا بسبب الآثار السلبية الناجمة عن هذا النوع من الممارسات، التي أضرت بمصالح المصنعين والمنتجين، حيث تعكس ظاهرة الإغراق الحالة التي يتم فيها تصدير منتج ما إلى دولة أخرى بسعر تصدير يقل عن قيمته العادلة أو قيمة تكلفته في السوق الداخلي لبلد المنشأ أو بلد التصدير، بالإضافة إلى الدعم الحكومي الذي يحصل عليه المنتجون في بعض الدول، حيث يلجأ بعض المصدرين إلى هذه الممارسة بقصد اقتحام الأسواق، لإضعاف المنتجات المحلية وخروجها من المنافسة وبالتالي التحكم في الأسعار مستقبلاً، ويساعد على تفاقم هذه المشكلة، انخفاض درجة الوعي لدى كثير من التجار والصناع في دول مجلس التعاون الخليجي بماهية وأشكال ومسببات وطرق معالجة هذه الممارسات الضارة بالتجارة الوطنية والخليجية، وقيام معظم التجار بتشجيع سياسة الإغراق للاستفادة من تدني الأسعار، مما يشكل عائقا أمام الجهود الرسمية للتصدي لها ومعالجتها، وفق قوانين التجارة العالمية المتعارف عليها، في وقت أصبحت فيه القرصنة التجارية من الظواهر الاقتصادية السلبية، التي ينبغي طرحها على القطاعات الاقتصادية والتجارية، للوقوف على حجم الأضرار التي تمس مصالح المنتجين والمصنعين والمستهلكين، في دول مجلس التعاون الخليجي، وتحدّ من مقدرتهم التنافسية في ظل الانفتاح التجاري الذي تشهده المنطقة الخليجية، خصوصا بعد الانضمام لعضوية منظمة التجارة العالمية، مما حدا بالمملكة العربية السعودية - التي أعلنت أن خسائرها 5 مليارات دولار سنويا - إلى تكليف فريق متخصص لمواجهة قضايا الإغراق ومعالجتها، حتى تمكنت خلال الفترة الماضية من كشف عمليات الإغراق التي تمارس من الاتحاد الأوروبي، والهند والصين، مرورا بتركيا، ومصر، رغم وجود بعض قضايا إغراق ضد السعودية خاصة في قطاع البتروكماويات، وتبدو المشكلة أكثر وضوحا بالنسبة للمنتجات الزراعية في دولة الإمارات العربية المتحدة؛ لقيام المزارعين بإتلاف المنتجات الزراعية، وتحويلها إلى أعلاف وإطعامها للحيوانات والماشية، بعد أن تكبّد المزارعون خسائر كبيرة بسبب إغراق أسواق الدولة بخضراوات وفواكه مستوردة من دول خليجية وعربية، حيث تطرح الواردات في الأسواق بأسعار رخيصة نتيجة انخفاض كلفتها مقارنة بالمنتجة محليا، مما يتسبب في وجود منافسة غير عادلة مع المنتج المحلي الذي يتكبد خسائر فادحة، ولا يمكن في ظل الاتفاقيات الدولية استمرار فرض الرسوم المحلية لحماية الصناعة الوطنية أو المنتجات الزراعية من الواردات الأجنبية، التي تدخل السوق بأسعار متدنية وهو ما يسهم في انخفاض قدرة الصناعة المحلية على البيع في السوق المحلي وفقدها جزءاً كبيراً من حصتها السوقية ومن ثم انخفاض قدرتها على استغلال الطاقة المتاحة مما سيدفع الصناعة المحلية في المدى القصير إلى خفض إنتاجها وإنتاجيتها تجنباً لتراكم المخزون وزيادة تكلفة الوحدة للمنتج إضافة إلى عدم قدرة الصناعة على المنافسة السعرية مع الواردات التي ستورد بأسعار مغرقة مما يؤدي إلى تخفيض سعر بيع الوحدة، وما ينتج عن ذلك من خسائر وعدم تحقيق عائد على الاستثمارات، التي سوف تنسحب من السوق أو تهرب إلى الخارج، حيثما تجد الأرباح والعائد المجزي، وهذا سوف يؤثر سلبا على الوضع الاقتصادي بشكل عام، وعلى الصناعات أو المنتجات الزراعية، وسوف تزداد خطورة الإغراق في ظل قلة خبرة أو دراية معظم الدول النامية بأساليب التحريات والتحقيق والتعامل مع قضايا الإغراق في مراحلها المتعددة، وأهمها عدم توافر الكوادر الفنية اللازمة للسير في الإجراءات المطلوبة، ارتفاع التكلفة المادية لمتابعة هذه القضايا، وفقا لاتفاقية منظمة التجارة العالمية التي تناولت الإغراق في المادة السادسة من اتفاقية "الجات"، ونظمت حق السلطات المحلية في الدولة المستوردة في اتخاذ إجراءات علاجية لمواجهة حالات الإغراق، التي تتمثل في السماح لها بفرض رسوم تعويضية على المنتجات المغرقة، التي تعرف برسوم مكافحة الإغراق.