17 سبتمبر 2025
تسجيلما يحدث في اليمن الآن يفرض عليَّ أن أعيد اليوم كتابة مقال كتبته منذ حوالي ست سنوات وبالتحديد في 19/7/2055م، بجريدة "الشرق" القطرية تحت عنوان "أم المفاجآت" قلت فيه "منذ أن قرر الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية اليمنية عدم ترشح نفسه لرئاسة قادمة أخرى وأنا شخصياً أعيش حالة من عدم التوازن بين مصدق ومكذب.. وبين حالم وعالم.. وبين فرح وترح لأن مثل هذا القرار لم يمر في حياة أمتنا العربية مطلقاً إلا في حالة استثنائية نادرة عندما تنحى المشير سوار الذهب عام 1985م، بعد أن قاد انتفاضة شعبية في السودان وقرر تسليم القيادة لسلطة حكومة مدنية". أضفت في ذلك المقال قائلاً: إن هذا القرار الذي اتخذه الرئيس طواعية وبدون ضغوط شعبية أو ضغوط خارجة كما قال في خطابه قبل أمس أمام مجموعة من السياسيين والصحفيين يعتبر "أم المفاجآت" لأن هذا القرار التاريخي لم يشهده التاريخ العربي منذ أمد طويل، فنحن نعلم أن الحكام العرب إما أن ينتقلوا إلى جوار ربهم وهم فوق الكراسي أو يطيح بهم الشعب أو أعداء الشغب لهذا نقول في أخبارنا دائماً "الرئيس الراحل" أو "الرئيس المخلوع" أو "الرئيس الهارب".. بينما جملة الرئيس السابق لم نقلها ولم يقلها التاريخ بعد.. ولعل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح سيدخل موسوعة "جينيس" العالمية باعتباره أول رئيس عربي سابق!! وقلت أيضاً في ذلك المقال "لقد ذكر الرئيس صالح في قراره هذا جملة في غاية الأهمية وهي ضرورة تداول السلطة بشكل سلمي وهذا ما ذهبنا إليه عندما قلنا إن الحاكم العربي لا يسمح لغيره أن يجلس على كرسي الحكم.. ولابد هنا من وضع حد لاحتكار السلطة وإفساح المجال للشعب في اختيار من يريد ومتى يريد وهذا هو التداول السلمي للسلطة وهو جوهر الديموقراطية". ولعل قول الرئيس صالح بضرورة ترك السلطة والحكم للقيادات الشابة يصب في قلب الحقيقة والحكمة والموضوعية ويذكرنا بحكمة ذلك الشيخ العجوز عندما شاهد طفله يصبغ أوراق شجرته باللون الأخضر بعد أن رآها تتساقط عندما يتحول لونها إلى اللون الأصفر حيث قال لطفله: "دع الحياة تتجدد" لأن الأوراق الصفراء سوف تسقط لا محالة مهما حاولت يا بني أن تصبغها باللون الأخضر.. إنها تسقط لكي تفسح المجال لغيرها من الأوراق الخضراء اليانعة والمثمرة. وفي ختام مقالي أثنيت ومدحت قرار الرئيس صالح وقلت "إن خطوة وقرار الرئيس علي عبد الله صالح خطوة جريئة وقرار حكيم لأنه قال لنفسه "كفاية" قبل أن يرددها ويهتف بها شعبه وقبل أن يستخدمه الآخرون ورقة للتنازلات.. وقبل أن يفرض عليه الآخرون التفريط بسيادة وحقوق اليمن وشعبه العربي الأصيل. لكنني حذرت في ذلك المقال من المنافقين والانتهازيين وقلت "لكن ما نخشاه أن يخرج علينا بعض "المنافقين" و"الانتهازيين" و"المستفيدين" بهتاف معتاد ومكرر وهو "بالروح بالدم.. نفديك يا صالح".. وبهذه الطريقة الانتهازية يفسدون هذا القرار التاريخي الشجاع.. حيث سمعنا بعض الأصوات تطالب الرئيس صالح بالاستمرار في الحكم.. لكن الرئيس أوقفهم وقال: "لم آت هنا لمبايعتي" وختمت مقالي بالقول للرئيس صالح بعد قوله هذا لهؤلاء المنافقين "هذا عين الصواب أيها الرئيس العربي السابق"!! اليوم وبعد مرور ست سنوات على "أم المفاجآت" التي أطلقها الرئيس صالح نجده "يكذب" ويتمسك بالحكم ويرفض "التنحي" رغم مطالبة الشعب اليمني له بالرحيل بل إنه "استوحش" من أجل البقاء في الحكم.. وها هو يتشبث بالكرسي حتى لو كان فوق جماجم أبناء الشعب اليمني الذين قتلهم برصاص قوات أمنه وبلاطجته.. ولا أريد أن أعلق أكثر لأن الأحداث تعبر عن نفسها الآن بصورة واضحة ومكشوفة وأن الرئيس صالح قام بمشهد "تمثيلي" عندما أعلن "أم المفاجآت" ويتأكد لنا بعد مرور ست سنوات على هذا المشهد بأنها كانت "أم الأكاذيب"!!