31 أكتوبر 2025

تسجيل

ليبيا.. بين وئد الثورة وخطورة التقسيم

09 أبريل 2011

كلما طال أمد المعارك بين الثوار وكتائب القذافي كلما زاد القلق على مسار الثورة الليبية التي بدأت سليمة على غرار أختيها في تونس ومصر، إلا أن لجوء الثوار إلى الكفاح المسلح كخيار أخير للدفاع عن أنفسهم أمام بطش القذافي الذي لا مثيل له، بدء يدفع بالبلاد نحو حرب داخلية طويلة لا يبدو أنه سيكون فيها غالب ومغلوب طالما أن الثوار ما استطاعوا أن يطوروا من قدراتهم القتالية بما يسمح لهم بالتقدم نحو طرابلس وطالما أن هجمات الأطلسي لم تفلح في ردع القذافي وإضعاف قدراته وتفكيك قوته الداخلية.. وبين هذا وذاك تبقى اليد على القلب خوفاً من أن يكون السيناريو الذي رفضه الجميع حتى اللحظة أن يكون هو الخيار الذي سيلجأ له الجميع في نهاية المطاف لوضع حد للأزمة القائمة.. وهذا السيناريو المشؤوم هو التقسيم بين شرق يلهث حول بناء دولة عصرية مستفيداً مما تحت يده من بترول وبين غرب يرى أو يفرض عليه أن يرى في القذافي ونمطه الغريب قائداً ملهماً. لكن السؤال الأهم، هل سينهي التقسيم حالة الصراع؟ الجواب هو النفي قطعاً، فإن الأزمة الليبية دخلت نفقاً مظلماً جداً، وبالتالي إذا ما وئدت ثورة الشعب الليبي فإنه لن تقوم له قائمة حتى مائة سنة قادمة. وعلى ما يبدو فإن الخطورة لن تقف عند حدود ما سيلحق بالشعب الليبي وثورته بل بمستقبل الثورات العربية على أكثر من صعيد حيث يعتبر القذافي اليوم نموذجاً مناسباً لكل ديكتاتور يواجه انتفاضة شعبية تطالب بلقمة العيش والحرية والكرامة. ولعل من نافلة القول إن التحرك العربي والدولي المطلوب لم يعد فقط لحقن دماء الليبيين بل حفاظاً على الأمن القومي العربي والسلم الدولي ولست مبالغاً في ذلك البتة، فمن يقرأ تاريخ معمر القذافي وعملياته التخريبية بحق الدول العربية والغربية يصل إلى تلك القناعة. فقد شملت جرائم القذافي، منذ مجيئه إلى الحكم، أربعين دولة عربية وإفريقية وآسيوية وأوروبية وأمريكية، فهو قد دعم ثلاثين عملية انقلابية في دول العالم باءت بالفشل، غالبيتها في دول إفريقيا. لقد كان القذافي من أوائل من دعموا تمرد الضابط السوداني جون كرينغ على الرئيس السوداني عام 1983، الأمر الذي أسس فيما بعد إلى نشوء حركة انفصالية في الجنوب استطاعت بعد سنوات من التقاتل والتفاهم إلى تقسيم السودان إلى دولتين، وأن تشجع حركات انفصالية أخرى في إقليم دارفور الغنية بالنفط ما يهدد كامل التراب السوداني. ولم تقف حدود تآمره عند السودان، فقد أذكى الصراع بين المغرب والجزائر من خلال تقديم الدعم لطرف على حساب آخر في قضية الصحراء الغربية المتنازع عليها حتى اليوم، ولم تكن دولة تشاد الجارة الجنوبية له بمنأى عن مشاكله فقد أشعل حرباً طاحنة معها على امتداد 7 سنوات لم تفض إلاً لمزيد من إراقة الدم الليبي على قضية لا معنى لها. وكذلك الأمر في أوغندا حين قام بتغذية الحرب الأهلية فيها 1979. بل إنه مارس أساليب العصابات العابرة للقارات، حين دعا الإمام موسى الصدر مؤسس حركة أمل في لبنان إلى ليبيا بشكل رسمي عام 1978 لينقض عليه ويقتله ثم ينفي ذلك، ولولا أن قيادات كبيرة في الثوار أكدت نبأ مقتل الصدر على يد القذافي ودفنه في سبها لما كان عُلم مصير الرجل حتى اليوم، وهو الذي سبب أزمة دبلوماسية وشبه قطيعة سياسية بين لبنان وليبيا لا تزال قائمة حتى اليوم بسبب أعماله اللاعقلانية وغير المنضبطة. كما أن نشاط القذافي على صعيد حشد ودعم وتدريب واستخدام المرتزقة ليس جديداً فهو لديه خبرة سابقة وثرية في هذا النشاط اللاإنساني فتشير التقديرات أن عددا من قام بتجنيدهم وتمويلهم بلغ أكثر من خمسة عشر ألفا من جنسيات عديدة. وكان القذافي قد أنشأ على الأراضي الليبية عشرات المعكسرات لتدريب هؤلاء المرتزقة قبل أن يعودوا إلى بلدانهم. أما على صعيد المجتمع الغربي فقد خضع نظامه منذ مطلع عام 1986 لمقاطعة اقتصادية ودبلوماسية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية واليابان ومجموعة الدول الأوروبي بعد أن اتُهم بتنفيذ هجومين على مطاري النمسا وروما عام 1985، وتفجير ملهى ليلي في برلين عام 1986. ثم فُرضت عليه عقوبات دولية من قبل الأمم المتحدة منذ أبريل 1992 بسبب تورّطه في حادثي تفجير طائرتي (بان آم) عام 1988 فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية ممّا أسفر عن مقتل (259) و(يو. تي. إي) الفرنسية فوق سماء النيجر عام 1989 ومقتل 171 شخصا كانوا على متنها. واستمرت القطيعة الدولية معه حتى العام 2003 حين سوى مشاكله مع الغرب حيث قام باستجداء الولايات المتحدة من خلال تفكيك ما سمي بالبرنامج النووي الليبي ونقل ما لديه من كميات اليورنيوم إلى الولايات المتحدة على متن طائرة عسكرية أمريكية خوفاً من أن يلحق به ما لحق بنظام صدام حسين، وتعهده بدفع تعويضات كبيرة جداً لذوي ضحايا لوكربي وغيرها.. كل ذلك على حساب دماء وثروات الشعب الليبي الذي يئن حتى اللحظة من بطش وطيش القذافي الذي بذّر الثروة الليبية يمنة ويسرة في حين يعيش شعبه حياة لا تقل مهانة وفقراً عن غيره من الشعوب العربية التي تعاني دولها من فساد مالي وسياسي وندرة في الموارد الطبيعية. وبعد هذه العجالة من مسيرة القذافي لم يعد أمام المجتمع الدولي سوى العمل على تغييب القذافي وحكمه إذا ما أراد عالماً خالياً من الاضطرابات في شمال إفريقيا وبناء دولة ليبية عصرية.