10 سبتمبر 2025

تسجيل

كابوس جميل

09 مارس 2022

كوب من القهوة، أمام نافذة تصفعها قطرات المطر، صوت فيروز يعبر مسامعي، وفجأة من دون أي إنذار يرتطم برأسي شريط من الذكريات الممزوجة بمشاعر الخوف، ذلك الخوف من تكرار تلك الأحداث المرعبة مرة أخرى، والحزن الذي يعصر قلبي، والصبر الذي لم يفارقني لحظة رغم مرور تلك الأحداث المروعة التي لم تكن بالأمر السهل، كان الأمر أشبه بمحاولة دس السم في العسل، ذكريات رافقتني حتى في منامي، تمنيت لو كانت مجرد حلم جميل لم يحدث منه إلا بعضه، لأول مرة أقضي يوما عاديا يوما دون انتظار. وسماع أصوات تلك الأقدام التي تعبر فوق قلبي قبل أن تمر بجانبي، وجلسات العلاج التي دامت لساعات طويلة، مرض اتفق عليه الجميع أنه يجمع بين الخبث ومرارة الآلام، أنا حقا كنت لفترة ما لا أعلم سبب تسميته بمرض خبيث، لكن طرأ لوهلة على بالي أنه سمي بهذا الاسم لكونه مرضا خطيرا لا يظهر في الجسد إلا بعد فترة كعدو ظهر بعد خفاء، وهو يكن بداخله بحرا من السواد تجاهك، وعلى الرغم من ذلك لن ترى سواده إلا بعد فترة من الزمن قد تطول، نعم هكذا هو السرطان دخل ضيفا على حياتي فجأة دون سابق إنذار، لن أنسى كل لحظة مليئة بالألم الذي كاد يفتك بكل جزء من جسدي المتهالك، لم أكن على وعي؛ لشدة التعب ولكن كان المسكن يفي بالغرض. في ذلك اليوم كادت روحي تنسحب مني من شدة الالم، ذهبت إلى المشفى، وبمجرد عمل بعض الفحوصات بدأت الأقدام تتسارع من حولي، وأنا لا أفقه شيئا، لكني كنت أوقن بوجود شيء ما خطير، فأنا لم أنس تلك النظرات التي كانت تشفق على جسدي الهزيل، أصبح رأسي يدور، حاولت الوقوف لكني سقطت أرضا، وحين أفقت وجدت نفسي أرتدي قناع الأكسجين الذي رد لي روحي مرة أخرى. لم يكن أمر إخباري بالسهل عليهم، ولكن عند معرفتي مسحت على صدري بابتسامة خافتة قائلة: الحمد لله، لم أتوقع يوما أن إهمالي، وعدم وعيي ألقى بي في التهلكة، بدأت صراعي مع ذلك المرض، في البداية أصابني بعض اليأس، والتعب الشديد الذي بدأ ينهش في جسدي بلا رحمة، ومع كل جلسة من جلسات الكيماوي كنت أشعر أنني أتأخر لا أتقدم. لقد تعرفت على الكثير من الأشخاص خلال فترة علاجي، لكن أحدهم كان الأكثر تأثيرا في نفسي؛ حيث إنه بالرغم من مرضه وأنه شخص بأخطر مرحلة من المرض، وتكاد تكون أيامه قليلة إلا أنه كان مفعما بالحيوية والأمل، لم يكترث لوجود المرض، أو كونه على مشارف الموت، بل كان يعيش حياته بكل حب وحيوية. طالت الأحاديث بيننا فهو من أعاد لي الأمل الذي فقدته من شدة تفشي المرض في جسدي كانت آخر مقابلة لنا في الحادية عشرة مساء قائلا لي: يوما ما ستكونين خارج هذا المكان، تتحدثين عن أهم إنجازاتك، وتغلبك على خصمك في تلك المعركة. تركته وابتسامتي لم تفارقني، وحينما استيقظت سمعت الخبر الذي وقع علي كالصاعقة، حينها شعرت أنني طعنت في قلبي بسكين مزق كل أوتاره، فقد مات آخر أمل لإكمال مسيرتي مات الشخص الذي حارب بكل حب وأمل في الله، وحين طلبت رؤيته قبل أن يتم تكفينه ويغادر مع آخر أمل لي وجدته مبتسما، حينها لم أتمالك دموعي، كاد قلبي ينفطر، ذهبت إلى غرفتي ودموعي لم تتوقف حتى أغرقت وسادتي، غفوت في سبات عميق، وجاءني ليجمع ما تبقى من روحي ليخبرني أنه لم يغادر بل هو معي في كل وقت يساندني حتى أنتصر في معركتي، وأساعد من حولي استيقظت مرة أخرى، ومنذ ذلك الوقت قررت عمل العديد من الحملات التوعوية بأهمية معرفة أسباب المرض وأعراضه، وكيفية الوقاية منه، فوجدت أن هناك العديد من البحوث والقصص والأشياء التي أثارت اهتمامي، ووجدت أنها لقيت تفاعلا سريعا؛ لذا بدأت التعرف على ما يتملك جسدي. وفي تلك الفترة التي كنت أجهز لشن أول حملة إعلانية لي، طرق أحدهم الباب؛ ليعطيني تقرير استشفاء، نعم لقد فزت الآن في تلك المعركة، أول ما فعلته زرت ذلك الشخص الذي لم يفارقني رغم مغادرته الحياة، لم أيأس قط؛ فأنا أعلم أن كل ما يحدث للإنسان وقد يعتقده شرا ما هو إلا خير من رب العالمين، ويطرأ إلى ذهني في الوقت ذاته لو عرضت الأقدار على الانسان لاختار القدر الذي اختاره الله له، لم يكن الله سبحانه وتعالى ليضع الانسان في شيء إلا وهو يعلم سبحانه وتعالى أن هذا الانسان يقدر على هذا الشيء، ودائما تكون الخيرة فيما اختاره الله، ولكن ستعلم ذلك فور خروجك من تلك المحنة التي تعتقدها ضيقة وما هي إلا خير لك. * طالبة في مدرسة العب الثانوية