10 سبتمبر 2025

تسجيل

هل ينجح الشارع الجزائري في التغيير؟

09 مارس 2019

تعيش الجزائر منذ 22 فبراير الماضي حراكا شعبيا لم تعهده منذ زمن طويل. مسيرات شعبية في جميع ولايات ومناطق الوطن، مسيرات سلمية تطالب بعدم ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة. المتأمل في هذه المسيرات يستنتج أنها منطقية وواقعية نظرا لعدة اعتبارات من أهمها الحالة الصحية للرئيس بوتفليقة والتي لا تسمح له بأداء مهامه والصلاحيات التي يخولها له القانون، فهو دستوريا ليس مؤهلا لرئاسة البلاد والمادة 102 من الدستور الجزائري تنص على شغور منصب رئاسة الجمهور إذا كان الرئيس يعاني من مرض يحرمه من أداء مهامه. من جهة أخرى نلاحظ أن مبدأ التناوب على السلطة من السمات الأساسية للفعل الديمقراطي وللحكم الراشد. بوتفليقة حكم الجزائر لمدة 20 سنة وعندما جاء إلى الحكم وجد دستورا حدد فترات حكم الرئيس في عهدتين. مع الأسف الشديد تم اختراق هذا الدستور في سنة 2008 وألغيت المادة لفتح المجال أمام بوتفليقة للاستمرار في الحكم. ومن تناقضات نظام بوتفليقة اختراق الدستور مرة ثانية في 2016 وإعادة المادة التي تحدد عهد حكم الرئيس بعهدتين. وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس بوتفليقة اخترق القانون في الاستحقاقات الرئاسية القادمة حيث يتمثل الاختراق الأول في موضوع اللياقة الصحية التي يجب أن ينعم بها. فهو مع الأسف الشديد طريح الفراش في سويسرا وبذلك فهو غير مؤهل صحيا لقيادة الجزائر. أما الاختراق الثاني فيتمثل في عدم التزامه بتقديم ملف الترشح بنفسه. هذه المرة قرر الشارع الجزائري بمختلف أطيافه – طلاب الجامعات والثانويات- الصحفيون- -المحامون- وغيرهم قرروا أنه حان الوقت للتخلص من نظام تجاوزته الأحداث، نظام استمر في تكرار أخطائه وفي اختراق الدستور والقانون والمبادئ الأساسية التي تقوم عليها الديمقراطية. ما لوحظ على هذه الانتفاضة المباركة هو أنها سلمية واضحة الأهداف تطالب بعدم ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة. ما يعني أن الشارع الجزائري يتقدم بطلب منطقي وفي صالح الجميع ما عدا الانتهازيين الذين ما زالوا يبتزون ويستغلون رئيسا منهكا طريح الفراش لا يقوى لا على الحركة ولا على الكلام. فمن يريد الخير للجزائر لا يجرؤ على المطالبة بعهدة خامسة لرئيس يحتضر. الشارع يريد التغيير، يريد دماء جديدة لحكم راشد ديمقراطي من أجل الاستغلال الأمثل لخيرات وثروات البلاد، من أجل اقتصاد قوي يوفر فرص العمل للشباب الذي أصبح يفضل الهجرة إلى المجهول عبر قوارب الموت على العيش في بلده. السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح بعد أسبوعين من المسيرات عبر ربوع الوطن هو هل يحقق الشارع الجزائري مطالبه وهل سيستطيع إحداث القطيعة مع نظام لم يعرف انتخابات ديمقراطية شفافة منذ استقلال البلاد. إلى حد الساعة المؤسسة العسكرية التي كانت وراء وصول كل رؤساء الجزائر إلى سدة الحكم لم توضح موقفها من الأوضاع بصفة شفافة ومباشرة، بل نستطيع القول إنها ما زالت متمسكة بالرئيس بوتفليقة ولم تنحز للشارع وللرأي العام الجزائري وإلى جادة الصواب. من خلال تصريحات قائد الأركان الجنرال أحمد قايد صالح نلاحظ التركيز على الأمن والدفاع والإشارة إلى المخاطر التي قد تنجم عن الانزلاقات أو القوى سواء كانت داخلية أو خارجية لاستغلال المسيرات لإحداث الفوضى والفتنة والنيل من أمن وسلامة البلاد. الجنرال ذكّر الشعب الجزائري بمآسي العشرية السوداء 1990-2000 والتي راح ضحيتها 200 ألف قتيل وخسائر مادية بمئات المليارات من الدولارات. ما نسيه الجنرال أحمد قايد صالح هو أن البلاد ستكون في أمن وأمان إذا اعتذر الرئيس بوتفليقة عن الترشح وقدم ملفا طبيا لاستقالته وفتح المجال للإعلان عن شغور منصب رئيس الجمهورية وتطبيق المادة 102 من الدستور. في رسالة موجهة إلى النساء الجزائريات بمناسبة عيد المرأة أثنى الرئيس بوتفليقة على المسيرات لكنه حذر من "اختراق هذا التعبير السلمي من طرف أية فئة غادرة داخلية أو أجنبية التي لا سمح الله، قد تؤدي إلى إثارة الفتنة وإشاعة الفوضى وما ينجر عنها من أزمات وويلات". ما نفهمه من المؤسسة العسكرية ومن خطاب الرئيس للمرأة الجزائرية لا يبشر بالخير على الإطلاق وإنما يشير إلى تمسك العسكر والرئيس بالسلطة والوضع الراهن. هذا الموقف بطبيعة الحال لا يستجيب لا للمنطق ولا للشارع والرأي العام. فالرئيس لا يستطيع أن يحكم البلاد وليس مؤهلا كذلك للوفاء بالوعود التي قدمها في حال انتخابه لعهدة خامسة. فالشارع الجزائري اليوم يتساءل عن الإخفاقات العديدة التي ميزت 20 سنة من حكم بوتفليقة من فساد واستغلال نفوذ وسوء تسيير وإدارة. قضايا فساد كثيرة عانت منها الجزائر في عهده كقضية الخليفة وسوناطراك والطريق السيار ونسبة البطالة العالية وقوارب الموت وغيرها من المآسي التي عاشها الشعب. فرغم مئات المليارات من الدولارات التي دخلت خزينة الدولة بفضل السعر المرتفع للبترول بقي الشعب الجزائري يعاني من مشاكل عدة كغلاء المعيشة وأزمة السكن والبطالة وانهيار قيمة الدينار والقائمة تطول. ما هي يا ترى السيناريوهات المتوقعة في الأسابيع القادمة؟ وماذا يخفيه المستقبل القريب لعشرات الملايين من الجزائريين الذين جابوا الشوارع من أجل التغيير السلمي والانتقال الديمقراطي. وأحسن سيناريو بطبيعة الحال هو أن يقدم الرئيس بوتفليقة استقالته لظروف صحية ما يتوجب تطبيق المادة 102 من الدستور أي شغور منصب الرئاسة وانتقال الحكم إلى رئيس مجلس الأمة لمدة 45 يوم ثم تنظيم الانتخابات في غضون ثلاثة أشهر. قد يكون السيناريو الثاني هو وفاة الرئيس بوتفليقة قبل الاستحقاقات الرئاسية خاصة وأنه في حالة صحية حرجة. والإجراء هنا يكون تقريبا مثل حالة الاستقالة حيث أن رئيس مجلس الأمة يتولى رئاسة البلاد مؤقتا والشروع فيما بعد في تنظيم الانتخابات الرئاسية. أما السيناريو الثالث فهو تخلي الجيش عن الرئيس بوتفليقة ما يعني عدم فوزه بالانتخابات. أما آخر سيناريو فهو اختراق المسيرات الشعبية وتدخل الجيش والمخابرات للإعلان عن حالة الطوارئ والقضاء بذلك على فكرة التغيير. باختصار تعلم الجزائريون الدرس من تجارب الربيع العربي وانتهجوا السلم في مسيراتهم ومظاهراتهم ومطالبهم، هل تستجيب السلطة بطريقة حضرية للشارع الجزائري وهل يكون هناك تغيير سلس وحضاري وسلمي كما كانت المسيرات. نتمنى أن يمتثل الجميع للمنطق وللعقل وللحكمة، وبقناعة كبيرة لا أظن أن هناك مواطنا جزائريا واحدا لا يؤمن وغير مقتنع بأن الرئيس بوتفليقة غير قادر في حالته الصحية الحالية أن يحكم الجزائر. مع الأسف الشديد هناك قوى خفية تريد استغلال الرجل للاستمرار في نهب وسرقة المال العام. احتراما للرجل يجب على جميع الجزائريين أن يرحموا هذه الشخصية التاريخية ويسمحوا لها بالخلود إلى الراحة فهناك عشرات بل مئات الجزائريين ممن تتوفر فيهم الكفاءة لقيادة الجزائر إلى مستقبل زاهر تسوده الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والأمن والأمان. [email protected]