18 سبتمبر 2025
تسجيلروى كثيرون من أهل العلم عن فضل وأدب الإنصات، وليس الاستماع فحسب. فمما يروى عن التابعي الجليل وهب بن منبه، قال: من أدب الاستماع سكون الجوارح وغض البصر، والإصغاء بالسمع وحضور العقل، والعزم على العمل، وذلك هو الاستماع كما يحب الله. أما سفيان بن عيينة فقد قال: أول العلم الاستماع ثم الفهم ثم الحفظ ثم العمل ثم النشر.. وقال الحسن البصري ناصحاً تلميذاً له: إذا جالست العلماء، فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول. وتعلم حُسن الاستماع تتعلم حُسن الصمت، ولا تقطع على أحد حديثه، وإن طال حتى يُمسك.كلمات مختصرات من رجال عرفوا معنى الأدب في الإنصات وتلقي العلم.. كلماتهم تلك إنما هي القواعد الأساسية التي ندرسها بالجامعات والمدارس ومراكز التدريب. القواعد المهمة لأجل التعلم واكتساب الحكمة والاحترام والتقدير من الآخر. القاعدة الأهم التي نريد التوقف عندها، والتي كررناها في أكثر من مناسبة وموقع أو موقف، تدور حول أهمية الإنصات إلى من يتحدث إليك، وليس الاستماع فحسب، سواء كان محدثك يقدم علماً أو يبدي رأياً أو وجهة نظر معينة، في مسألة أو موضوع معك وغيرك.غالبية مشكلاتنا أساسها عدم الإنصات وبالتالي عدم فهم ما يجري ويدور أو يُقال.عدم الإنصات، سبب رئيسي لكثير من الأزمات والعثرات في علاقاتنا الإنسانية.. عدم الإنصات يعني رغبة الأنا وبقوة في الاعتلاء والبروز والظهور.. عدم الإنصات يعني رغبة كل أحد منا في الاجتماعات على سبيل المثال لا الحصر، أن يستأسد ويكون له النصيب الأكبر في الحديث والناس تستمع إليه، بل والأكثر من ذلك، عدم إنصاته هو للآخر والحرص على مقاطعته !حاول أيها المقاطع وعدم المنصت أو الذي لا تحسن فن الإنصات، أن تتدرب مراراً وتكراراً على ضبط نفسك وأعصابك ولسانك. فلا تتكلم قبل أن تسمع أو تنصت تماماً للحديث، ودع المتحدث ينهي حديثه بالتمام وبالكمال، واستمع له بإنصات وتركيز وفهم، من قبل أن ترد وتناقش.. أليس القرآن يدعونا إلى إدراك ومعرفة أهمية الإنصات في قوله تعالى: "وإذا قُرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون"؟ لم يقل استمعوا، بل مع الاستماع وجب الإنصات الذي هو الاستماع بفهم ووعي وحضور ذهن. إنه درس قرآني عظيم في أهمية الاستماع الذي يأتي بعده الإنصات، والذي بسببه يحصل اكتساب علوم كثيرة وفهمها بين الطالب والمعلم، ويحدث الود والألفة بين المتحدث والمنصت، وهل أحد لا يبحث عن تلك الألفة والود مع الغير؟