18 سبتمبر 2025

تسجيل

معارضة ضعيفة تساوي حكومة ضعيفة

09 مارس 2013

معارضة ضعيفة؛ يعني بالضرورة حكومة ضعيفة.. الاتهامات بضعف المعارضة السودانية لم تأت هذه المرة من الحكومة، ولكنها جاءت من الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وأحد أحزاب المعارضة المهمة وذات الوزن المقدّر.. الجديد أن المهدي صعّد من حدة انتقاداته لقوى تحالف المعارضة ووصفها بالضعف والترهل، وقال إنه ينأى بحزبه أن يلتقي بأحزاب وصف بعضها بـ"الحطب الميت والطرور" وقال لابد من التمييز بين "الطرور والصندل"، وزاد بأن التحالف حالياً غير فاعل ويعاني من التسيب التام والترهل.. الدكتور حسن الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض وحزبه عضو أصيل في التحالف كذلك، قال في آخر تصريحات صحفية له إنهم لا يريدون إسقاط نظام الرئيس عمر البشير فجأة لأنهم يخشون الفوضى التي تعقب سقوطه في حال عدم اتفاق أحزاب التحالف حول كيفية حكم البلاد في مرحلة ما بعد البشير، وقال ليس المهم إسقاط النظام بقدر ما أن المهم أن تخطط المعارضة لتلك المرحلة وتتفق حولها.. كلام الترابي فيه إشارة كذلك إلى ضعف المعارضة التي يخشى أن تفشل في قيادة البلاد في حال سقوط النظام الحالي. يعتقد على نطاق واسع أن الخلافات في المعارضة ليست بسبب ضعف بنية الأحزاب المعارضة فحسب بل أيضا بسبب التنازع حول قيادة التحالف.. يقود التحالف الآن فاروق أبو عيسى الذي يقدم نفسه كشخصية مستقلة، وهو رجل صاحب ميول يسارية كان في مرحلة تاريخية سابقة جزءًا من الحزب الشيوعي السوداني، لكن الصادق المهدي يرى فيه رجلا غير كفء لشغل هذا المنصب، وربما حديثه عن الحطب الميت عنى به الأحزاب والشخصيات (خفيفة الوزن) في رأيه التي من بينها أبو عيسى.. وللصادق المهدي قناعة كبيرة بأنه جدير برئاسة تحالف المعارضة لا فاروق أبو عيسى.. الصادق يرى أن حزبه، حزب كبير وقد فاز بأعلى الأصوات إبان ما عرف بالديمقراطية الثالثة (1985 – 1989) الأمر الذي مكنّه من رئاسة الوزراء حتى انقلب عليه البشير في العام 1989 فضلا عن الكاريزما التي يتمتع بها.. بيد أن رئاسة الصادق للتحالف تجد معارضة شديدة من الترابي الذي يرى في أبوعيسى شخصاً لا يشكل خطورة ولا يستطيع تسخير التحالف لأجندته مثل المهدي الذي يتمتع بشخصية قوية وعلاقات خارجية ممتدة ويخشى الترابي أن يسيطر الرجل على التحالف ويجعل من الأحزاب والقيادات الأخرى مجرد (كمبارس). من المؤكد أن حكومة البشير غير سعيدة اليوم بضعف المعارضة ولابد أنها نادمة على النهج الذي سلكته في السابق وعملت من خلاله على "تكسير" وإضعاف أحزاب المعارضة بشتى الطرق والأساليب.. فالبرلمان اليوم يسيطر عليه حزب المؤتمر الوطني برئاسة البشير بنسبة تصل إلى (95%)، في حين تمارس أحزاب تحالف المعارضة نشاطها المعارض خارج إطار البرلمان مما يضعف النظام السياسي ويعكس صورة ترسخ هيمنة نظام البشير على الحياة السياسية بالقوة العسكرية، وقد حاول البشير في انتخابات أبريل 2010 أن يرسل رسائل للعالم الخارجي بأن هناك انفتاحاً وديمقراطية وأن نظامه تحول من الشمولية إلى الديمقراطية، لكن حتى هذه الديمقراطية ينظر إليها المتفائلون باعتبارها ديمقراطية منقوصة أما المتشائمون لا يرون فيها أي بصيص من الديمقراطية وبالتالي لم يستطع النظام أن يحصل حتى الآن على "صك براءة" من المجتمع الدولي. من يخلف رؤساء الأحزاب السودانية بما فيها المؤتمر الوطني، أمر مجهول، فالتداول السلمي لكراسي القيادة في هذه الأحزاب معدوم. فاليوم لا يعرف الناس من سيخلف الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي والذي مضت على رئاسته للحزب مدة تجاوزت الأربعين عاماً، وكذلك الحال بالنسبة لمن يخلف محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي والذي قضى مدة مماثلة لمدة المهدي، كما ظل "محمد إبراهيم نقد" زعيما للحزب الشيوعي السوداني مدة مماثلة حتى وفاته قبل أشهر مضت. ولا يعرف السودانيون أيضا من سيخلف الرئيس البشير الذي يكون قد مكث في السلطة (25) عاماً بنهاية فترته الحالية في أبريل 2015 ومع ذلك يدور الحديث اليوم داخل حزبه حول ترشحه لفترة رئاسية جديدة!!. على المعارضة والحكومة أن يعلما أنه ليس مطلوبا أن يكون هناك إجماع في أمور السياسة، فهذا أمر لا يقره المنطق الرشيد ولا العقل السديد، فإن كانت آراء شخصين متفقة دائماً فليست هناك حاجة لوجودهما لأن أحدهما يكفي. يقول الإمام أحمد بن حنبل: الإجماع من الأمور العسيرة الحدوث في شؤون الفروع الدينية فضلا عن شؤون السياسة والمتغيرات الدنيوية. التاريخ السياسي في السودان سجّل كيف تنازعت الأحزاب ومارست الديمقراطية في فتراتها القليلة، ممارسة مشوهة وغير رشيدة حتى إنها هي سلمت السلطة في بعض الأحيان إلى الجيش وتلك وقائع معروفة.