02 نوفمبر 2025

تسجيل

المشكلة الكردية في تركيا ومخاطر الحسابات غير الإستراتيجية

09 مارس 2013

المفاوضات التي تجري بين الدولة التركية وزعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان والتي تعرف بـ"عملية إيمرالي" نسبة لاسم الجزيرة في بحر مرمرة التي يعتقل فيها أوجلان، تواكبها موجة كبيرة غير مسبوقة من التفاؤل لدى الطرفين التركي والكردي. ولعل السبب الأساسي لهذا التفاؤل أن الحكومة التركية تقارب المسألة الكردية ولو نظريا حتى الآن للمرة الأولى بطريقة تتجاوب مع قسم كبير من المطالب الكردية الأساسية المتصلة أساسا بالهوية الكردية. لقد كانت الكرة دائما عند الدولة التركية فهي الجهة القادرة والتي تمسك بزمام المبادرة. ولكن لا يمكن إغفال العديد من المخاطر والمحاذير التي تحفّ بعملية إيمرالي بشكل يخشى أن يكون تشييع هذا القدر من التفاؤل أمرا مقصودا لتحويل الفشل في حال حصوله إلى كارثة على جميع الأطراف. ذلك أن مقاربة الحكومة التركية الجديدة مفاجئة وتحمل على شكوك كثيرة. إذ لا يمكن أن تغير الحكومة نظرتها هكذا خلال أيام معدودة من عداء ورفض كامل للمطالب الكردية إلى قبول شبه شامل لها. وهي ليست قضية تتصل بسعر الصابون أو الخبز أو حتى النفط لتتغير النظرة وفقا لتغير المعطيات. بل هي قضية إستراتيجية تتصل بشعب وهوية شعب وبحساسيات تاريخية ومخاطر جغرافية وأبعاد إقليمية ودولية وتعقيدات على أكثر من مستوى. إذ كيف يمكن خلال أسبوع واحد أن تتغير نظرة رئيس الحكومة من رفض التعليم باللغة الكردية وإنكار وجود قضية كردية والمطالبة بإعدام أوجلان واعتبار حزب السلام والديموقراطية الكردي امتدادا "لإرهابيي" حزب العمال الكردستاني ، إلى موقف نقيض بالكامل؟ لقد شاع أن أردوغان مستعد لمثل هذه التسوية- الصفقة من أجل تمرير تبني نظام رئاسي يحتاج إلى أصوات النواب الأكراد لكي يحال التعديل الدستوري إلى استفتاء شعبي. فهل يمكن أن تبلغ "الحسابات الإستراتيجية" المتصلة بقضية بالغة الحساسية من أجل تمرير نظام رئاسي تمكّن أردوغان من الاستمرار زعيما لتركيا عشر سنوات أخرى كرئيس للجمهورية بصلاحيات مطلقة؟ إلى ذلك فإن الموقف الغربي والأمريكي تحديدا موضع تساؤل. صحيح أن الأمريكيين أطلقوا إشارات دعم لعملية إيمرالي لكنها لم تكن حاسمة وأحيانا كثيرة غامضة. فالجميع يعلم أن الموقف الأمريكي من القضية الكردية في تركيا مهم جدا إذ أن الاستخبارات الأمريكية كانت شريكة في اعتقال أوجلان عام 1999 لكن واشنطن نفسها حالت دون أي محاولة تركية لتصفّي حزب العمال الكردستاني في منطقة جبل قنديل في شمال العراق، واللجنة الثلاثية التركية- الأمريكية – العراقية لمكافحة الإرهاب لم تتقدم بوصة واحدة في مسألة تواجد الحزب في قنديل على امتداد عشر سنوات من وجود الاحتلال الأمريكي في العراق. هذا الكلام لا يفيد أن حزب العمال الكردستاني موجود بإرادة أمريكية. لكن معظم اللاعبين حتى في الداخل التركي ينظرون إلى حزب العمال الكردستاني على أنه ورقة يمكن استخدامها في أكثر من اتجاه. لا شك أن الحزب يستفيد من تناقض مصالح القوى الأخرى ليرسخ وجوده ومعركته ضد الدولة التركية لكن طبيعة المشكلة الكردية في تركيا مرتبطة جدا بطبيعة التحالفات الإقليمية والدولية. هنا بالذات يكتسب الموقف الأمريكي أهمية إذ أن التباين في المواقف بين واشنطن وأنقرة بات يتسع في أكثر من ملف بحيث لا يمكن أن تساعد الولايات المتحدة في حل ملف المسألة الكردية في وقت يستمر الخلاف بين تركيا وإسرائيل حيث امتعاض أمريكي من عدم التقدم لتطبيع العلاقات بين البلدين وقد ازداد الانزعاج الأمريكي من تصريحات لأردوغان حول الصهيونية واعتبارها جريمة ضد الإنسانية وكانت سببا في فشل محادثات جون كيري في أنقرة الأسبوع المنصرم الذي لم يعكس تأييدا واضحا لعملية إيمرالي. كذلك لا تبدي واشنطن ارتياحا لموقف تركيا من حكومة نوري المالكي وإتباع أنقرة سياسات لا تحترم وحدة العراق وحكومته المركزية. كذلك هناك تباين في كيفية معالجة الأزمة السورية حيث تدفع تركيا في اتجاه الحسم العسكري فيما أمريكا مترددة كثيرا قبل وضوح البديل المستقبلي وحتى لا تقع سوريا في قبضة قوى أصولية تعتبرها واشنطن تهديدا لها. أكثر ما يخشى أن يكون تغير موقف الحكومة التركية من أوجلان والأكراد عموما هو لحسابات سياسية محلية ضيقة وليس لقناعة بضرورة إقامة دولة المواطنة الفعلية. ذلك أن عدم الاندفاع في حل لا يحمل تغييرا استراتيجيا في الرؤية وما يتطلبه من تعاون القوى الإقليمية والدولية يدفع في اتجاه القلق من انعكاسات أكثر خطورة لأي فشل يمكن أن تواجهه عملية إيمرالي وتدفع تركيا ثمنه من وحدة أراضيها.