16 سبتمبر 2025

تسجيل

التحديات الاقتصادية التي يواجهها لبنان مع الأزمة

09 مارس 2011

تمر المنطقة العربية اليوم في مرحلة انتقالية صعبة ستقتصر ليس فقط على تغيير وجوه وقيادات، وإنما خاصة على استحداث أنظمة جديدة مبنية على الديمقراطية واحترام حقوق المواطن وقطاع الأعمال ضمن شروط المنافسة. لا شك أن الخسائر البشرية والمادية الحاصلة هائلة، لكن المكاسب المحتملة أهم من ذلك بكثير. أمريكا اللاتينية مرت قبلنا في هذه الظروف ونجحت، وها هي البرازيل مثلا تعتبر مضرب مثل في التطور والنمو وحتى التنمية. كذلك فعلت دول إفريقيا السوداء حيث انتقلت 19 دولة حديثا إلى النظام الديمقراطي البرلماني. حتى لو لم تكن الانتخابات في هذه الدول النامية والناشئة مثالية، إلا أنها تحصل بفعالية والخاسر يهنئ الناجح في معظم الأحيان وهذا مهم. في كل حال، من كان يحلم بحصول تغييرات بهذا الحجم في العالم العربي وبهذا الامتداد حتى منذ 3 أشهر؟ العالم العربي يتغير وينتقل من فترة سوداء إلى أخرى تعم بالأمل شرط أن تتخلص الشعوب من الأنظمة السياسية والاقتصادية التي أسهمت في إفقارها. يجب أن يرتكز أي نظام جديد على أسس ومبادئ الديمقراطية مما يساهم في إلغاء السياسات التي أعاقت التقدم والنمو وتستبدل بأخرى جديدة تنقذ الأوضاع. إن أي تغيير جذري يحمل في طياته مخاطر كبيرة وهذا ما يحصل عربيا اليوم. لكن التغيير في العالم العربي لا يمكن إلا أن يكون مفيدا وإيجابيا، بحيث تتخلص الشعوب من سياسات القمع ليس فقط السياسية وإنما أيضا الاقتصادية والمالية والاجتماعية. فهذه السياسات التي تمارس منذ عقود أسهمت في تهميش العالم العربي بالنسبة للخريطة الاقتصادية العالمية. يمكن تقييم الأحداث الحالية كأنها استثمار في مستقبل الدول والمنطقة بحيث تخف الهجرة وترتفع نسب النمو ويخف هروب الأموال للاستثمار خارجها كما تتعزز ثقة الشعوب بواقع ومستقبل المنطقة ذات التاريخ القديم والغني. فمنطقتنا، ورغم الثروات الكبيرة التي تحتوي عليها أي نفط ومعادن وموارد بشرية ومادية، بقيت بعيدة عن التغيرات الرئيسة التي تحققت بشجاعة كبيرة في آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا. لم يعد هنالك أي نظام ديكتاتوري في أمريكا الجنوبية إذ أن الديمقراطية هي النظام المطبق والفاعل. إن منطقتنا بحاجة إلى إعادة هيكلة نفسها من أجل متابعة التطورات التكنولوجية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية الكبرى والاستفادة منها في الداخل. سيتأثر لبنان كثيرا بما يحدث خارجه إذ أن الاقتصاد منفتح منذ نشأته. نوجز أهم التأثيرات كما يلي: أولا: ارتفاع أسعار النفط ليس بسبب تغيرات عوامل العرض والطلب وإنما بسبب القلق أو الخوف من انقطاع الإنتاج أو أقله النقل. سوف تبقى الأسعار مرتفعة على المدى القصير وبالتالي على المجتمع الدولي أن يتعايش مع هذه الظروف غير المساعدة. تؤثر أسعار النفط سلبا على التضخم أي تزيد من مخاطره مما يستدعي استبدال السياسات المالية والنقدية الحالية بأخرى تقشفية منعا لتفاقم الأسعار. لا بد لأسعار النفط من أن تنخفض مستقبلا عندما تستقر الأوضاع السياسية والأمنية وهذا يمكن أن يأخذ وقتا ليس بالقصير. في لبنان ولمواجهة هذه التغيرات من المفضل أن نثبت سعر صحيفة البنزين على 35 ألف ليرة لمدة 3 أشهر بحيث نراجع القرار تبعا للتطورات في المنطقة وفي أسواق النفط خاصة. لا يمكن أن نترك المواطن عرضة لتغيرات أسواق النفط الدولية في ظروف صعبة كالتي نعيشها اليوم. فالذي يتغير من أسبوع إلى آخر هو قيمة الضريبة التي تحصلها الدولة والتي تشكل الفارق بين ال 35 ألف ليرة وتكلفة شراء السلعة ونقلها وتأمينها حتى وصولها إلى المستهلك. ثانيا: ستتأثر الاستثمارات سلبا في المدى القصير. لا يمكن للبنان أن يكون جاذبا للاستثمارات النوعية الكبيرة عندما تكون أوضاع المنطقة مضطربة كما هي عليه اليوم. ارتباط لبنان القوي بالاقتصاد العربي يجعله معتمدا عليه ليس فقط في التجارة وإنما في التبادلات المالية. ثالثا: ستتأثر السياحة سلبا إذ أن هذا النشاط لا يمكن إلا أن يكون إقليميا. فالسائح الأجنبي يأتي إلى لبنان لزيارة المنطقة أيضا وبالتالي يختار مناطق أخرى في حال وجود تقلبات أمنية جدية. هذا يعني أننا لن ننعم بموسم سياحي مزدهر طالما بقيت أوضاع المنطقة على ما هي عليه. هنالك تكامل كبير بين دول المنطقة ولا يمكن لأي منها أن تستفيد على حساب الأخرى. لمواجهة هذه التحديات الكبيرة لا بد من تشكيل حكومة منسجمة تأخذ القرارات الشجاعة والمناسبة كما تقوم بالتعيينات الضرورية في الإدارة والسلك الدبلوماسي وكافة المواقع الأمنية والمالية والنقدية. يجب على الحكومة الجديدة أن تأخذ القرارات المناسبة التي تحتاج إليها كل القطاعات. لا يحتمل لبنان حكومة مشلولة منذ بدايتها تنقل خلافات الأطراف إلى داخلها وتعطل أداءها وتسيء إلى مصالح اللبنانيين.