16 سبتمبر 2025

تسجيل

مغامرة تركيا الأوروبية

09 فبراير 2013

وُصفت السلطنة العثمانية على أنها رجل أوروبا المريض. في الأساس تأسست الدولة العثمانية في العام 1299 على فكرة الجهاد ضد الأوروبيين، والعثمانيون لم يتحولوا إلى الشرق إلا بعد أن أكملوا القسم الأكبر من مغامراتهم في أوروبا وأهمها الاستيلاء على القسطنطينية في العام 1453. تحوّلت تركيا إلى جزء من التاريخ الأوروبي، والهوية الأوروبية القومية لم تتشكل في القرون الأخيرة إلا من خلال التحدي التركي. انهارت السلطنة العثمانية في العام 1918 وورثتها جمهورية تركيا التي أسسها أتاتورك في العام 1923. مع أتاتورك كانت تركيا تدخل مرحلة جديدة بالكامل من تاريخها قوامها التحديث على النمط الغربي من القانون المدني إلى اعتماد العلمانية. لكن نهاية الحرب العالمية الثانية شهدت تحولات ضخمة في التوجهات التركية ولاسيَّما على صعيد السياسة الخارجية. انضمت إلى حلف شمال الأطلسي واعترفت بإسرائيل وأصبحت جزءا من المعسكر الغربي. وفي موازاة ذلك دخلت دورة جديدة من الانتماء الثقافي تمثل في طلب الانضمام لتكون عضوا في السوق الأوروبية المشتركة في العام 1959. وبذلك بدأت مغامرة قدّر لها أن تقدم لتركيا تجربة افتقدها العالمان العربي والإسلامي: التحديث الاجتماعي على النمط الأوروبي. ومنذ ذلك الوقت وتركيا تتحرك في الداخل تبعا لقاعدة واحدة هي المعايير الأوروبية. ولا شك أن تركيا استفادت كثيرا من التجربة الأوروبية. صحيح أن تركيا عرفت بالانقلابات العسكرية لكن التجربة الديمقراطية منذ العام 1946 تركت أثرها في تهذيب النظام السياسي في تركيا. كذلك فإن الشروط الأوروبية من أجل أن تتقدم تركيا في مجال الحريات أسهمت في تعزيزها. لكن مع كل ذلك فإنه بعد مسيرة 54 عاما من الانخراط في المسيرة الأوروبية نجد أن تركيا لا تزال خارج البنية الأوروبية ولم تصبح عضوا في الاتحاد الأوروبي. وقد أثار رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان هذا الأمر عبر انتقادات عالية جدا أثناء زيارته الحالية المستمرة لثلاث دول أوروبية. ويقول أردوغان إن تركيا قد صبرت كثيرا وإن أوروبا تلاعبت وناورت بما يكفي ضد تركيا ولكن صبر تركيا له حدود. وفي هذا السياق هدّد أردوغان بالانسحاب من عملية الاتحاد الأوروبي والتوجه لطلب الانضمام إلى منظمة شنغهاي. يرمي أردوغان الكرة في الملعب الأوروبي. وهذا صحيح إلى حد معين بمعنى أن المجتمعات الأوروبية تحمل حساسية تاريخية وثقافية ودينية ضد تركيا التركية والمسلمة. والجذور الثقافية المسيحية لأوروبا كان يشير إليها العديد من المسؤولين الأوروبيين رغم علمانيتهم. لكن المشكلة الأساسية برأينا لا تقع لدى أوروبا بل لدى الأتراك.إذ إن الأتراك لم يتعاطوا بجدية مع الشروط الأوروبية. فالعلمانيون كانوا يريدون استخدام الورقة الأوروبية لاضطهاد التيارات الإسلامية في الداخل فيما أن الإسلاميين كانوا يعارضون الخيار الأوروبي وكان الزعيم الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان يرى في الاتحاد الأوروبي خرقة يجب تمزيقها. وعندما جاء إسلاميو حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002 جدّ في السير على طريق الإصلاح الأوروبي لفترة محددة. وعندما تم له التخلص من نفوذ العسكر، العقبة الأساسية أمام توطيد سلطته، تراجع حزب العدالة والتنمية عن الإصلاحات ولم يلتزم بما تبقى من شروط أوروبية. لقد استخدم الطرفان العلماني والإسلامي الخيار الأوروبي لحسابات محلية. ولم يكن الخيار الأوروبي استراتيجيا. ففي السياسة تركيا جزء بنيوي من التوجهات الأوروبية والغربية عبر عضويتها في حلف شمال الأطلسي لكن التقدم في المجال الداخلي لا يزال محدودا ويفتقد الإرادة للإصلاح. ذلك أن الايدولوجيا قد غلبت على سلوكيات المسؤولين الأتراك سواء في عهد العلمانيين أو الإسلاميين. ومشكلة تركيا أنها لا تتقدم على طريق أي إصلاح إلا بربط بعض الحسابات المحلية أو حتى الخارجية فيما أن الإصلاح الجذري خيار استراتيجي غير مرتبط بالعضوية بالاتحاد الأوروبي. وحين يتحول الإصلاح خيارا استراتيجيا فليس مهما أن يكون مرتبطا بعضوية الاتحاد الأوروبي أو غيره من التكتلات الدولية.