19 سبتمبر 2025
تسجيلفي حين تتصاعد الثورة السورية ويُضيِّق المجتمع الدولي والغربي والعربي والتركي الخناق على النظام هناك ويصل الأمر إلى سحب سفراء وطرد سفراء بالجملة ويتوجه الملف السوري إلى مؤسسات دولية نافذة وصار النظام يخسر كل يوم رفقاء وأصدقاء وحلفاء بعد أن فقد توازنه السياسي وغطاءه الوطني .. يرد النظام السوري على كل ذلك عمليا بمزيد من القتل العشوائي لشعبه والتمادي أكثر وأكثر في كشف نفسه وإحراج حلفائه أخلاقيا ودبلوماسيا ، ويرد كلاميا بصفصفة المصطلحات اللغوية وتوزيع الاتهامات المجانية على من يسميهم أعداء سوريا والأعراب وعملاء الغرب .. ويا للأسف إن متكلما سوريا – رسميا أو شبه رسمي – وهو من المعدودين والمشتهرين هناك وعبر فضائية للنظام وحواشي النظام يقول مخاطبا ومهددا ومتوعدا شعبه : إننا لم نستخدم القوة بعد ، وإن لدى سوريا جيشا تعداده كذا وكذا ودباباته كذا وكذا ويستطيع أن يفعل كذا وكذا وكذا .. إلى آخر هذه التهريفة من التهديدات التي لا تعبر إلا عن نظام مأزوم فقد توازنه وشرعيته الأخلاقية وصار يرى نفسه في مواجهة مفتوحة مع شعبه ومناصري شعبه .. وأقول : هذه الصنعة الزهيدة البائسة ( التي تقوم على القتل وتوزيع الاتهامات ) لن تقدم ولن تؤخر شيئا على مستوى صناعة الحل والخروج من الأزمة, فالقتل الذريع الذي نرى النظام يوغل ويتزايد فيه متوهما وموهما أنه قادر على ممارسته كل الوقت لأنه محصن بالموقف الروسي والصيني لا يمكن أن يحسم معركة أحد طرفيها الشعب بعموميته وبكل فئاته وتلاوينه الفكرية والطائفية والسياسية والطرف الآخر فيها فئوي مذهبي طائفي حزبي صار في نظر شعبه محتلا أجنبيا ومقارنا بالاحتلال الصهيوني ! وما يطلقه متكلمو النظام من الاتهامات لا يسمعها ولا يقتنع بها إلا هو وأعوانه ولسوف تطير أدراج الرياح دون أن تغني عنه شيئا لا بالنسبة للخارج البعيد الذي له مصادر معلوماته ولا بالنسبة للداخل القريب الذي طغت على مسامعه لغة الدم والهدم والوقائع المتناثرة والمتفاقمة في كل مكان . وهل سأل النظام السوري والمتحدثون في الدفاع عنه أنفسهم إلى أي مدى يمكن أن يظل الموقف الروسي والصيني مؤازرا لهم خارج منظومة الأخلاق الإنسانية والأعراف الدولية ؟ وهل من ضمانة أن لا ترتد ماكينة القتل الرسمي عليه كنظام وعلى الروح الوطنية وعلى الجيش ذاته ؟ وهذا الواقع شاهد فالثورة السورية اليوم أعلى منها قبل أمس وقبل أسبوع وقبل شهر ، والانشقاقات مهما استصغرها أو أنكرها النظام هي حقيقة واقعة ومتفاقمة.. وحتى لو صدقنا جدلا أنها انشقاقات استثنائية وأنها قليلة فهي بالتراكم والانتقال أو بنظرية الملء والفيضان ستكون كثيرة وكبيرة ومؤثرة .. والقتل يستجر القتل والدم يستدعي الدم والهدم يقابله الهدم ، ومن كان يسكته بالأمس واليوم أنه بعيد عن الأحداث هل سيبقى ساكتا بعد أن تدخل حيه وبيته وأسرته وبعد أن يشيع حبيبا أو قريبا أو صديقا ؟ وللأسف أن ذاك الذي يستكثر على شعبه ومواطنيه بدبابات جيشه وبطياراته وبعديد جيشه قد نسي أن الجيش في المفترض هو جيش الشعب وحاميه وهو منه وله ، ومنه تمويله وتسليحه .. وغفل عن أنه بذلك يحول الجيش من جيش الشعب وجيش الوطن إلى جيش النظام والعائلة والطائفة والفكرة والحزب وصار ما يحكم العلاقة بين الشعب ونظامه وجيشه عقلية المغالبة وكسر العظم .. وحينئذ فما قيمة الأوطان وما الأرضية التي ستجمع الوطن والتي سيتحرك عليها الجيش ؟ السؤال لهؤلاء ( الفلاسفة الأشاوس وللقنوات الفضائية التي توفر لتهريفاتهم وتخريفاتهم مساحات وساعات اليوم نهارا وليلا ومع كل حدث ليتبجحوا على قومهم ويتمططوا على شعبهم بالمواقف الوطنية والقومية للنظام ) السؤال : هل كانت تلك المواقف محمية بالجيش وحده وبالقوة العسكرية المجردة فقط ؛ أم كانت محمية بمعادلات الوحدة الوطنية وباستعداد الشعب لتوفير حاضنة وطنية له ؟ وهل سوريا بجيشها عديده وعتاده ودباباته وطياراته هل هي أقوى من العراق عشية غزته أمريكا وأسقطته في يومين بعد أن وفرت لنفسها ولغزوها قاعدة انطلاق داخل العراق نفسه ( بصرف النظر عن كونهم بعيدين أو قريبين من المنطق الوطني والقومي ) هذا ما يجب أن يفهمه النظام السوري والمتكلمون باسمه والمتطاولون على شعبهم المظلوم المقهور بقوة جيشهم واستعدادهم للمغامرة في الدماء البريئة .. وأما أن قطر وتركيا ودولا أخرى يتدخلون في الشأن السوري الداخلي – ولست متكلما هنا باسم أحد منهم وإنما بمنطق المناقشة الموضوعية والجدال المنطقي - هل يستطيع أحد أن يزعم أن هاتين الدولتين تحديدا - قطر وتركيا - كانتا قبل يوم واحد من الثورة السورية ومن المجازر التي ارتكبها النظام بحق شعبه متهمتين بالتدخل في الوضع الداخلي السوري ، أو بأنهما تدعمان جهة أو طائفة أو تيارا أو شخصا على حساب النظام ؟ أم أن العكس تماما هو الصحيح ، وأنهما كانتا مع سوريا ونظامها وحلفائها وكانتا تسميان النظام السوري بالشقيق والحليف والأخ ووقفتا معه في كل المواقف الوطنية والقومية وفي السراء والضراء ! والسؤال : هل عليهما أن تقفا متفرجتين بل مؤيدتين لهذا الشر المستطير على حساب الشعب الذي هو أصل الشرعية وأساس السلطة لتخرجا من الاتهام والافتراء ؟ وإذا رفضتا الحل الأمني والعسكري واستجابتا لنداء الدم فهل تصيران مدانتين ومتهمتين بالتدخل في الشأن الداخلي السوري ؟ وأي شأن داخلي هذا الذي يسمح لنظام أن يتحول إلى عصابات وميليشيات تقتل المدنيين وتذبحهم على الهوية وتقصف القرى والمدن على اسمها وتوظف الشبيحة للقتل بثلاثة آلاف ليرة يوميا ؟ آخر القول : واضح من التصعيد الذي يقوم به النظام السوري ضد شعبه منذ الفيتو الروسي – الصيني في مجلس الأمن ضد مشروع القرار أنه – أي النظام – يشعر بالحصانة والحضانة للقيام بمزيد من القتل وسفك الدماء ، ويبدو أن المتحدثين باسمه لا يملكون أكثر من الثرثرات الإعلامية .. ما يعني أن المشكل السوري مرشح للتفاقم وللتدويل ولتداخلات معادلات كثيرة وغير متناهية خاصة وعامة داخلية وخارجية .. وهو ما يجب أن يفهمه ولم يفهمه حتى الآن النظام السوري الذي صار يعاكس كل مصالحه وبات يخسر كل حلفائه ..