10 سبتمبر 2025

تسجيل

المصطلحات.. نافذة للتضليل

09 يناير 2024

قبل ربع قرن تقريباً، كان المواطن العربي أسيراً لمصطلحات إعلامية، تتعلق بقضايا الصراع العربي- «الإسرائيلي»، تروجها حصراً المحطات الفضائية الغربية، ويتلقاها إما المستمع العربي عبر الأثير - وخاصة من جانب الإذاعات الغربية الموجهة، والناطقة باللغة العربية- أو المشاهد للقنوات الغربية، فكانت هذه الأجهزة بمثابة أحد مظاهر تزييف الوعي، وتوثيق معان، لا تخدم سوى أصحابها.غير أنه مع انطلاق قناة الجزيرة، بكل ما أحدثته من تحولات في مشهد الإعلام العربي، فقد كان ذلك إيذاناً بتحول آخر في السياق الإعلامي، بضبط المصطلحات، وإيضاح المفاهيم، ومن ثم تصويباً لكل المصطلحات التي ظل يروجها الإعلام الموجه، حيث وُضعت المصطلحات في سياقها الصحيح، رغم الحضور الطاغي لأجهزة ووسائل الإعلام الغربية، التي كانت تغرد في الفضاء العربي، لتتوجه إلى المتلقين العرب. ولم يقتصر لسان حال هذه الأجهزة على تقديم المصطلح وفقط ، ولكنها قدمته إلى جمهورها باحترافية بالغة. وأتذكر في هذا السياق، مقابلة صحفية مع الراحلة الدكتورة جيهان رشتي، أول عميدة لكلية الإعلام في جامعة القاهرة، عندما كانت ترد على سؤال حول مآلات الإعلام الأجنبي الموجه في أعقاب ما أحدثته الجزيرة من تحولات في المشهد الإعلامي، فكانت إجابتها بأن المتلقي العربي سينصرف عن هذا الإعلام الموجه، وإن طال الزمن، حتى ولو نجح مرحلياً في الاستمرار بطرح أسلوبه الرامي إلى تقديم المصطلح في قالب إعلامي، يتسم بالاحترافية. واليوم، ونحن في تجليات الصراع، والعدوان الهمجي على غزة، تعيد ذات الأجهزة مصطلحات الصراع إلى الواجهة مرة أخرى، سعياً منها إلى التضليل الإعلامي، وتزييف الوعي، وطمس الحقيقة، دون تستر بارتداء ثوب المهنية، أو التخفي وراء القيم التي ترفعها، وظلت تتشدق بها لعدة عقود، لتنهار جميعها، أمام صوت الحقيقة، ووضوح الصورة. هذه الأقنعة لم تسقط فقط عن الإعلام الموجه، ولكنها سقطت عن كل الأجهزة التي سعت إلى الشيء نفسه، بعدما أصبح المواطن العربي قادراً على الفرز، وبات متسلحاً بسلاح المعرفة، بظهور الصورة كاملة أمامه، دون مواربة، ودون تزييف، ما جعله يلفظ مثل هذه النوعية من وسائل وأجهزة الإعلام. والأكثر من ذلك، تلك الحقيقة الجلية التي أصبحت واضحة أمام الرأي العام العالمي، الذي كشف كل هذه الأقنعة، وعبّر عن ذلك برفضه القاطع للعدوان، ووقف إراقة الدماء، ما يعني أن كل المصطلحات التي ظلت تروج لها الدعايات الغربية سقطت، وسقطت معها كل الأقنعة التي كانت ترتديها.