17 سبتمبر 2025

تسجيل

"شارلي إيبدو" والاستمرار في الإساءة للأديان

09 يناير 2016

أصدرت مجلة "شارلي إيبدو" عددا خاصا بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لتعرض مقرها لهجوم إرهابي، سخرت فيه من الذات الإلهية، ما جعلها مجددا في مرمى انتقادات الكنسية والسياسيين الفرنسيين. العدد اتسم بالانتقاد اللاذع للدين، وذلك في ذكرى مرور عام على تعرض مقرها للهجوم. وتصدر غلاف العدد الخاص للمجلة، الذي جاء في 32 صفحة بدلا من 16 صفحة كما هو معتاد، لإحياء ذكرى مرور عام على الهجوم الذي وقع في السابع من يناير 2015، صورة ساخرة للإله وهو يحمل بندقية كلاشينكوف على ظهره، ومكتوب أسفلها "بعد عام واحد، القاتل لا يزال هناك". وقوبل قرار انتقاد الدين بصورة منظمة بانتقادات من ممثلي الكنيسة والسياسيين في فرنسا، وذلك حتى قبل صدور نسخة المجلة.ووصفت عدة صحف فرنسية الرسم الكارتوني بالهجوم الظالم على الدين. وجاء في تعليقات الصحف "خلف الراية المضللة لعلمانية متعنتة، تغفل المجلة الفرنسية مرة أخرى ما يكرره رجال الدين في كل الأديان- وهو نبذ العنف باسم الدين. واستخدام الإله لتبرير الكراهية وإقصاء الآخر، كما أكد البابا فرنسيس بابا الفاتيكان عدة مرات". يبدو أن المشرفين على المجلة لم يتعلموا الدرس وأكدوا مرة أخرى باسم العلمانية الاستهزاء والتطاول على الأديان والمعتقدات باسم حرية الرأي والتفكير والصحافة. فغلاف المجلة بمناسبة الذكرى السنوية الأولى للهجوم على مقرها يحمل بعدا دينيا ويعتبر كارثة بحد ذاتها حل حد قول الصحفي الفرنسي نيوكولاس هنين. انتهى عام 2015 كما بدأ، هجمات إرهابية في باريس. في يناير استهدف الإرهابيون مجلة شارلي ايبدو الساخرة ومحلاً تجاريا يهودياً. وفي نوفمبر من نفس السنة قتل إرهابيون إسلاميون 130 شخصا في قلب باريس وقرب استاد فرنسا. الهجمات أصابت فرنسا وأوروبا بالصدمة. في يناير من السنة الماضية تحدث الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عن همجية ووحشية منقطعة النظير، وفي نهاية العام يرى أن بلاده في حرب ضد "الدولة الإسلامية" التي تزداد قوة في سوريا والعراق، وفي شمال أفريقيا أيضا. "ما حدث في باريس واستاد فرنسا هو عمل من أعمال الحرب"، قال هولاند في الرابع عشر من نوفمبر 2015. "وفي الحرب يجب على الأمة اتخاذ القرارات المناسبة. هذا العمل الحربي نفذه جيش إرهابي من داعش ضد فرنسا وقيمها، التي ندافع عنها في كل العالم ضد أي بلد حر". ما تجاهله هولاند ومجلة شارلي إيبدو هو أن الإرهاب أكثر بكثير من أن يحارب بالقوة والعنف وإنما هناك أسباب عديدة يجب دراستها والتمعن فيها جيدا لتشخيص الداء وتقديم الوصفة اللازمة لاستئصال هذه الظاهرة الكونية.ما حدث في فرنسا من هجوم وحشي على صحيفة "شارلي هبدو" ليس بمفاجأة أو شيء جديد على عالم الإرهاب. فخلال العشرية الماضية نُفذت مئات بل آلاف من الأعمال الإرهابية في القارات الخمس من المعمورة. الجميع أدان حادثة باريس وفي المقدمة، الجمعيات الإسلامية المتواجدة في فرنسا وفي باقي دول العالم. المنظمات الدولية كانت سباقة ومثلها الجمعيات والنقابات الصحفية في جميع أنحاء العالم وكذلك منظمات حقوق الإنسان ورؤساء الدول من جميع أنحاء المعمورة. مثل هذه الأعمال بطبيعة الحال تزيد من الكراهية والحقد والاحتقان والفتن بين الشعوب والدول والديانات والحضارات. فحضارات الأمم بُنيت وتُبنى على التدافع والتكامل والاختلاف واحترام الرأي والرأي الآخر وليس الحقد والكراهية والتصفية الجسدية وإقصاء الآخر. فالتعامل مع أي رأي مخالف يجب أن يكون بالحوار والنقاش والتسامح والبرهان والأدلة وليس بالقتل والإقصاء. قال سبحانه وتعالى لرسوله المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم عندما هاجمه المشركون "فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين، إنا كفيناك المستهزئين"، (سورة الحجر-آيات 94-95). الإرهاب أصبح لغة العصر وأصبح لغة المطالب والضغط والتعبير عن الاستياء والرفض...إلخ. فلا يمر يوم إلا ونسمع عن أعمال إرهابية أدت إلى قتل أبرياء وحرق وإتلاف الممتلكات. السؤال هنا ما العمل؟ ومن أفرز الإرهاب؟ ومن المسئول عنه؟ لأن التنديد والبكاء على الأطلال لا يحل المشكلة، والجميع اليوم يلاحظ أن ظاهرة الإرهاب في تنام متزايد وظاهرة الصراع بين الدول والديانات والحضارات والقوى السياسية الفاعلة في العالم كذلك في تزايد. إلى حد الآن المنظومة الدولية فشلت في وضع تعريف شامل وواف وواضح للإرهاب وإلى حد الآن لم يُعالج الإرهاب بطريقة علمية ومنهجية. فهناك ظلم وابتزاز منظم داخل الدولة نفسها أو على المستوى الدولي. فإلى حد الساعة ما زالت المنظومة الدولية تتخبط في التعامل مع الإرهاب. فهناك دول تحاول أن تعالجه بالغطرسة والقوة والعنف وهناك من يعالج الإرهاب بالإرهاب وهناك دول توظف الإرهاب لتحقيق مصالحها...إلخ. فالإرهابيون هم بشر مثل باقي البشر في مجتمعاتهم لكن قد يختلفون عن الآخرين بسبب تهمشيهم أو تعرضهم للظلم والاستبداد وغير ذلك. ففي عديد أنحاء العالم هناك أقليات مضطهدة وهناك شعوب مستعمرة ومحرومة من العيش الكريم ومحرومة من أساسيات الحريات الفردية. على الصعيد الدولي نلاحظ ابتزاز واستغلال وعدم تكافؤ في العلاقات الاقتصادية والسياسية وغير ذلك. والحل الأمثل للتعامل مع الإرهاب هو دراسة أسبابه دراسة متأنية ومنهجية وعلمية. فلا حل للظاهرة بدون تشخيص الأسباب وتوصيف الدواء الأمثل لمعالجة العوامل التي تفرز الإرهاب. فنلاحظ اليوم أنواعا وأشكالا من الإرهاب. فالإرهاب الفكري على سبيل المثال هو فرض أيديولوجيات وأفكار على الغير عن طريق الدعاية والقوة التكنولوجية الإعلامية. فكم من فيلم ومسلسل وكتاب استهجن واستهتر وسخر من الآخر سواء ما تعلق بدينه أو حضارته أو حتى نمط معيشته. بالنسبة للإعلام فهناك مشكلة كبيرة جدا تتمثل في السيطرة والهيمنة على ما يُنشر ويُذاع ويُبث على البشرية جمعاء.وهنا نلاحظ غياب التسامح الفكري والقيمي والديني عند الإمبراطوريات الإعلامية العالمية التي تسيطر على صناعة الصورة وبذلك صناعة الرأي العام العالمي. فالابتزاز والظلم والاستغلال والازدراء والسخرية من ثقافات الشعوب وحضارتها ودياناتها عوامل كلها تؤدي إلى وضع غير صحي وغير طبيعي قد يفرز تصرفات وسلوكا قد يخرج عن العقل والمنطق وتعاليم أي دين من الديانات التي عرفتها البشرية.