31 أكتوبر 2025
تسجيلظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب ليست جديدة على الإطلاق. لكنها في الآونة الأخيرة بدأت تخرج من دائرة المراكز البحثية إلى فضاءات أوسع حيث تختلط السياسة بالشعوذة. ويمارس باسمها أصناف شتى من التحيز والتمييز. جديد هذه الظاهرة ما أدلى به الرئيس التشيكي "ميلوش زيمان" في مقابلة إذاعية الأسبوع الفائت حيث أكد أن جماعة الإخوان المسلمين هي من تقف وراء موجة اللاجئين بأوروبا، لتتمكن من حكم القارة بشكل تدريجي. وأنها تدير شبكة مهربين تعدّ بالآلاف تنتشر في تركيا ودول أخرى من أجل غزو أوروبا لتعويض عجزها عن هزيمتها عسكرياً نظراً للتفوق النوعي عند الأوروبيين. وكان سلفه الرئيس "فاتشلاف كلاوس" عبر عن تخوفه من اللاجئين المسلمين في أوروبا لصحيفة ليدوفه نوفيني، بالقول: جحافل من البشر يأتوننا من قارات أخرى سيدمرون ثقافتنا وحضارتنا وأسلوب حياتنا الغربي.على المستوى الشعبي، بدأت تتأطر الأفعال العنصرية، التي يمارسها في الغالب شبّان يافعون، في أحزاب وجمعيات تحوز الترخيص الرسمي. كما أن الظاهرة بدأت تنتقل من بلد إلى آخر ضمن الفضاء الأوروبي على شاكلة الحركة العنصرية الجديدة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" وتعرف اختصارا باسم "بيغيدا" التي ولدت في ألمانيا، وتوسعت لتنشأ أفرعا لها في الدنمارك والنرويج. وقد تمكنت مؤخراً من تأسيس فرع رسمي لها في بريطانيا في حفل أقيم بمدينة لوتن في مقاطعة "بيدفوردشير"شمالي العاصمة لندن. قال فيه مؤسسها "تومي روبنسون": "لدينا مشكلة إيديولوجية متعلقة بالإسلام في هذا البلد، ونريد أن نقاوم في بريطانيا كما قاومت بيغيدا ضد غزو اللاجئين الموجود حالياً في ألمانيا".هل هذا سيحملنا على تصديق ما ينقله نشطاء حقوق الإنسان من أن خفر السواحل اليونانية كانت تعمد إلى تخريب زوارق اللاجئين السوريين وسط البحر لتتركهم لمصير غامض غالبا ما ينتهي بالغرق؟! أو يفسر لنا خلفيات الاعتداءات المتكررة على مآوي اللجوء في ألمانيا بما فيه إطلاق نار؟ أو يفسر لنا كيف أن مجموعة مؤلفة من قرابة 150 شخصاً مدججين بالأسلحة الآلية يواصلون احتلال المبنى الحكومي في مقاطعة هاريس التابعة لولاية أوريغون غربي الولايات المتحدة الأمريكية لليوم السادس على التوالي، دون أن توجه لهم تهم بالإرهاب؟.نتساءل هنا: لو كان بينهم مسلم واحد، هل كانت الدول العربية والإسلامية ستضطر أن تدين عبر بيانات مكتوبة أو تصريحات رسمية هذا الفعل وأن تجهد في الفصل بينه وبين الإسلام؟. وهل كان الإعلام الأمريكي سيكفّ عن الحديث عن مستقبل الحضارة الغربية المهددة من الأصولية الإسلامية؟ وهل كانت ستزداد وتيرة حوادث الاعتداءات المتكررة على ما يشتبه بهم أنهم من أصول عربية وإسلامية؟ نجد أنفسنا دائماً أمام إشكاليات متعددة في تفسير ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في الغرب.. فالأخيرة لم تولد قطعاً مع ولادة "الإخوان المسلمين" عام 1928، ولا مع ظهور الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ولا مع ظهور تنظيم القاعدة وفروعه بعد التسعينيات وإلى اليوم.. وإنما هي في جزء كبير منها حبيسة التصورات الموغلة في القدم، والتي تعود جذورها إلى الحروب الصليبية التي فجر قنبلتها البابا "أوروبان الثاني" عام 1095. ومخيالها ما زال يهيمن على العقل الغربي بدرجات متفاوتة. ويرفض على ما يبدو تجاوز هذه العقدة. التصورات غير الواقعية طبعت العلاقات الإسلامية الغربية بالتوتر الدائم. الأمر الذي ترك أثره حتى على المواطن الغربي المنحدر من أصول إسلامية.. ومثال عليه واقع المغاربة في فرنسا، حيث يتعذر على شريحة واسعة منهم الاندماج في المجتمع الفرنسي لأسباب ليس كلها مرتبطة بعدم رغبته هو في الاندماج أو التأقلم مع الثقافة الغربية. وإنما لأسباب تعود للتوجس والريبة المهيمنة على السياسات الحكومية تجاه هذه الشريحة من المواطنين، فهي غالبا ما تستحضر الموروث التاريخي بين الشرق والغرب، وتختزل الموطن المنحدر من بلاد الجنوب في البعد الديني الذي يستحيل قفصاً زُج به دون رغبة منه أو إدراك. وإذا كانت السياسات الفرنسية متفهمة لدى البعض الذي يضعها في سياق الاضطرابات الأمنية التي تعرضت لها البلاد نتيجة تورط بعض المسلمين بها، فهل هناك مبررات عند بقية الدول الأوروبية مثل التشيك أو اليونان أو غيرهما، مثلا؟.