17 سبتمبر 2025
تسجيلحاولت البحث في حياة الصحابة رضي الله عنهم عن أصحاب الإعاقات، وعن ذوي الاحتياجات الخاصة، من الصحابة لنرى كيف تعامل المجتمع الأول مع ذوي الاحتياجات الخاصةعانيت لأنني لم أجد ذوي إعاقات، وذلك ليس لأنه لم يكن فيهم ذوو إعاقات ولكن لأن المجتمع الإسلامي بحكمة النبي صلى الله عليه وسلم تمكن من دمجهم دمجاً تاماً في المجتمع فلا تبدو إعاقاتهمو من هذه النماذج 1 — عبد الله بن مسعود هذا الصحابي الجليل الذي نقرأ تاريخه في تاريخ النبوة، وقد اسـتحق وصف النبي(أعلم أمتي بالحلال والحرام عبد الله بن مسعود)عبد الله بن مسعود كان أقرب الناس إلى رسول الله، وكان يحسب في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وعلمه وفضله في التفسير تصنف به التصانيف الكبار، عندما فتحت العراق كان عبد الله بن مسعود على رأس علمائها الذين كانوا جيشاً آخر من جيوش الفتح، وعهد إليه بأمر إمارة الكوفة وأمر القضاء في العراق سنين عددا، إننا ندرس حياته وانطلاقته ونجاحاته وما أنجزه في الحياةولكن علينا أن نتذكر أن ابن مسعود كان من أشد ذوي الإعاقات في المجتمع، إعاقات بدنية، يجب أن نتذكر أن ابن مسعود لم يكن يزيد طوله عن أربعة أشبار، لقد كان قزماً بالنسبة للقياس الجسدي ولكنه كان عملاقاً في مقياس العطاء والعمل وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع أصحابه عند جبل أحد فهبت ريح شديدة وكان ابن مسعود يلبس جلباباً فحملت الريح ابن مسعود من جلبابه حتى صار يتمسك بالشجر لئلا تأخذه الريح، فضحك منه الصحابة فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (أتضحكون من دقة ساق ابن أم عبد، والله إنه عند الله أثقل من جبل أحد)لقد تمكن ذلك الصحابي صغير الجسد أن يصبح عملاقاً وأن يحكم العراق، وأنتم تدرون ماذا يعني حكم العراق، وتدرون طبيعة ذلك الشعب العسيرة، هكذا تبوأ عبد الله بن مسعود وهو في إعاقته مواقع متقدمة في الحياة، إنهم لم يشيروا إليه عبر تاريخ حياته أنه من ذوي الإعاقات، وإنما نظر إلى علمه وعطائه وفضله وكان الأصحاء يذهلون عندما يقرأون عن تألق عبد الله بن مسعود وتبوئه لمنازل عالية في المجد والفخار.عبد الله بن أم مكتومنائب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلكم يعلم أن المصطفى عليه الصلاة والسلام كان إذا خرج إلى غزاة كان يولي مكانه من ينهض بأمر المدينة وكان نائب النبي صلى الله عليه وسلم في رحلاته التي يغزو بها، وأكثر صحابي عهد إليه بنيابة الرسول صلى الله عليه وسلم هو عبد الله بن أم مكتوم نائب رسول الله.كان رجلاً ضريراً لم يكن يبصر دربه، ولكنه كان يبصر بقلبه وائتمنه الرسول صلى الله عليه وسلم على شعيرة الصلاة، فكان هذا الرجل الضرير مؤتمناً على الأذان، الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، فهو يحشر يوم القيامة من أطول الناس أعناقاً.وعبد الله بن أم مكتوم الذي يذكر علمه وفضله وخبرته السياسية والإدارية، قل أن يُذكر أنه كان من أصحاب الإعاقات، لأن الإسلام تمكّن من إدماجه في المجتمع، بحيث استفيد من مواهبه ولم يعامل بما يجتهد به البعض من عطف وإحسان، لقد تمكن من اعتلاء مقعده في العمل العام بكفاءة وإدارة وعناية ودربة.الخلاصة إذاً هنا واحد من ذوي الاحتياجات الخاصة، ترصد له سورة في القرآن الكريم، لم يكن هؤلاء الذين سلبوا نعمة الإبصار بالعين، لم يكونوا يفقدون بصيرة القلب، وكأن الإسلام بعث فيهم روحاً دافقةً دافئة حتى إنهم يطالبون بحقوقهم ليس على سبيل العطف والإحسان بل على سبيل الحق والانصياع للحقيقة، حتى عندما نزل قرآنٌ يتلى ( لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّه ِ)مشى ابن أم مكتوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،مشى الأعمى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، في مسألة قانونية دستورية ضربتها السماء ورتلتها الأرض، ولكن عبد الله بن أم مكتوم قال يا رسول الله ما هذا الذي أسمع؟كيف يقول الله: (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّه ِ)قال نعم يا ابن أم مكتوم، هكذا نزلت، وهكذا تلقيتها، وهكذا قرأتها على الناس، قال يا رسول الله، الله أعدل من هذا، ماذا صنع الأعمى؟ لماذا لا أستوي مع المبصرين، والله لو كنت لأجد جهاداً لجاهدت، ولكنت على رأس المجاهدين، فيلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأعمى فيحار فيه، إنه من ذوي الاحتياجات الخاصة، من ذوي الإعاقات، ولكن الروح التي بعثها الإسلام في فؤاده جعلته أيها الإخوة أكبر من كل وهم، وجعلته يشمخ بجبينه إلى السماء، حتى يقول إنني أمتلك الحق كاملاً في الحوار الدستوري والقانوني، وحصل على تعديل دستوري،ونزل الوحي مجدداً من السماء بإضافة ثلاث كلمات استجابة إلى اقتراح بقانون تقدم به رجل ضرير من ذوي الاحتياجات الخاصة،لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّه