15 سبتمبر 2025
تسجيلمن يدرس وضع الأسرة في مجتمعاتنا، وما تعانيه من مشاكل نفسية وخلقية واجتماعية، ويقف على ما يقدم إلى محاكمنا الشرعية والمذهبية والملية من دعاوى الخصومة الزوجية، ويتأكد أننا في أشد الحاجة إلى إصلاح اجتماعي يهتم قبل كل شيء بوضع العائلة والعلاقات بين أفرادها، فاضطراب الحياة الزوجية عامل كبير من عوامل الاضطراب السياسي والاجتماعي في أمتنا جمعاء. ويوم كانت أمتنا رائدة لركب الإنسانية إلى الخير، كانت في بيوتها بما لا يعرف له التاريخ مثيلاً، من استقرار الحياة الزوجية، والحب والتعاون لجميع أفرادها، ذلك أن الإسلام وضع لكل من الزوجة والزوج، والآباء والأبناء، حدودا واضحة يتميز فيها حق كل فئة عن حق الفئة الأخرى. وهذه الحقوق أقامها الإسلام على دعامتين هما: العدل والحب، فالعدل هو دعامة التشريع الإسلامي ومدار فلسفته. الله قدس ركنه وحاطه الأنبياء، فالليث بين الضواري والظبى عند العدل سواء، والحب هو روح التربية الإسلامية، وعلى العدل والحب قام نظام الأسرة في الإسلام، واستقام بهما شأن العائلة المسلمة. قال صاحبي: كيف يكون الحب وتنمو بذوره بين الزوجين؟ قلت: حين رغب الإسلام! لكل من الرجل والمرأة أن يكون الباعث على اشتراكهما في الحياة الزوجية أمراً نفسياً يربط بين قلبيهما برباط وثيق من الحب والألفة ينمو مع الزمن، وتزيده الأيام توثقا مع إعجاب كل منهما بخلق الآخر واستقامته ودينه، لا الرغبة في ماله، وانظر إلى هذا التعبير الرائع عن غاية الزواج حين يقول تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)، "الروم: 21". وتأمل هذا التشبيه البليغ في قوله: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)، "البقرة: 187"، وعلى هذا الأساس القوي الرائع من الحب والإعجاب والغايات الروحية النبيلة يبدأ الرجل والمرأة حياتهما الزوجية المشتركة، وفي ظل هذا الحب تحل كل المشاكل الناشئة بينهما فيما بعد.. والآن يا صاحبي دعني أذكر لك بعض حقوق الزوج على زوجته وحقوق الزوجة على زوجها.. لنبدأ بحقوق الزوج.. فأولها طاعة الزوجة له بالمعروف، وهي طاعة تحتمها المصلحة المعنوية المشتركة بين كل شريكين، إنها ليست طاعة العبد لسيده، وإنما طاعة الأخ الصغير للأخ الكبير، هذه هي الطاعة التي يطلبها الإسلام من الزوجة لزوجها، وهي القوامة التي أشار إليها القرآن بقوله: (الرجال قوامون على النساء)، "النساء: 33". ومن حقوق الزوج أن تعنى الزوجة ببيتها وتحفظ للزوج ماله وأبناءه وتوفر له راحته وهدوءه، وكلما كانت حريصة على البيت وأمواله لا تفرط فيه ولا تعطي منه شيئاً إلا بإذن الزوج كانت أجدر بثقته واطمئنانه. ومن حق الزوج على زوجته أن ترعى شعوره فتبتعد عما يؤذيه من قول أو فعل أو خلق، وأن تراعي ظروفه المالية ومكانته الاجتماعية، فلا تضيق ذرعا بعمله خارج البيت ما دام عملاً شريفاً يكتسب منه، فإنها شريكة الزوج في نجاحه الاجتماعي وحسن سمعته بين الناس. ومن حقوق الزوج الا تخرج زوجته من بيته بغير اذنه، والا تبدي زينتها للأجانب ليطمئن قلبه وتسكن نفسه، ومن وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تخرج الزوجة من بيته إلا بإذنه فإن فعلت (أي خرجت بغير إذن من زوجها) لعنها الله وملائكة الغضب حتى تتوب أو ترجع. ومن حقوق الزوج أن تترك له زوجته وقتا يفرغ فيه لنفسه ولفكره، فإن كان عابدا تركت له وقتا تطمئن فيه نفسه إلى عبادة الله بخشوع وحضور قلب، وإن كان عالما تركت له وقتا يقرأ فيه أو يكتب أو يفكر أو يؤلف.. إن اللذة التي يجدها العالم في قراءته والأديب في هدأته، لا تعدلها لذة في الحياة، وقد لا تشعر الزوجة بهذه اللذة فلا تفهم لها معنى. كان تولستوى (أكبر كتاب الروس في عهد القياصرة) من أسعد الناس بحياته الزوجية في أول عهده بالزواج. ثم كان من أشقى الناس بزوجته.. فقد تغيرت أفكار تولستوى ومال إلى الزهد وكرّس حياته لإنقاذ البؤساء ونصرة الفقراء، فلم تستطع زوجته أن تسايره في حياته الجديدة، فما زالت به تنغص عليه حياته وتضايقه في اتجاهه الجديد حتى لقي الموت بسببها. قال صاحبي: كيف كان ذلك؟ أفدني أفادك الله. قلت: إنها لم تسقه السم ولم تخنقه في الفراش، ولكنها ألجأته إلى هجر البيت فتسلل هارباً في ليلة باردة عاصفة ممطرة من ليالي الشتاء وخرج هائما في ظلام الليل فأصيب بالتهاب رئوي لم يمهله أكثر من عشرة أيام، حيث وجدت جثته ملقاة في فناء إحدى محطات السكك الحديدية، وقد كان مما أوصى به قبل موته ألا يؤذن لزوجته برؤيته.