12 سبتمبر 2025
تسجيلاليوم الأحد التاسع من يناير يتدافع زهاء الأربعة ملايين مواطن من جنوب السودان في الداخل والخارج للإدلاء بأصواتهم في استفتاء الجنوب، إما التصويت لصالح الانفصال وتأسيس دولة جديدة، وإما لصالح الوحدة مع شمال السودان التي أصبحت حلماً بعيد المنال. ليس من السهل على السودانيين قبول النتيجة الحتمية بانفصال الجنوب، لأنها تؤدي إلى انشطار وطن شاسع وشامخ يتباهى مواطنوه بمساحته وسماحته، كما تؤدي إلى تجزئة الوجدان، واهتراء الثقافة، وضمور ذاكرة الوطن التي غذاها الشماليون والجنوبيون طوراً بألوان زاهية من النضال المشترك ضد المستعمر، ومواجهة الويلات والمحن التي ألمت بالوطن الكبير.. وأطواراً أخرى بالنزاعات والمساجلات، والعنف والحرب، والضيم والظلم، والظمأ لرحيق الوحدة الذي باعد بينها وبينهم، كيد الكائدين والمتآمرين والمتربصين، وأولئك الذين سعوا لأن يكون السودان مثالاً يحتذى في الانقسام والتقسيم والتشظي والتفتيت لكي يصبح عبرة لمن يعتبر. ومع بزوغ فجر هذا اليوم، فإن الشعب السوداني –حتى الآن- في الشمال والجنوب يتوق إلى ألا تؤدي المشكلات العالقة إلى تجدد الحرب التي دفع الجميع الانفصال فدية لها. كما يأمل الجميع أن تسير إجراءات الاستفتاء واستحقاقات التصويت بسلاسة وشفافية ونزاهة تصب في خانة تجنب النزاعات والفتن. منطقة أبيي تلك الغصة في حلق وحناجر الجميع، يتوجب أن تعالج تبعيتها بكثير من الحكمة والحنكة، وطبقاً لمتطلبات اتفاقية نيفاشا وينبغي على "المجتمع الدولي"، أن يسعى لكبح جماح شيطنة الحركة الشعبية، وإلجامها حتى لا تقدم على خطوة استباقية لضم منطقة أبيي إلى دولتها "الوليدة" علماً بأن مواطني شمال السودان وعلى الأخص قبائل المسيرية لن يقفوا مكتوفي الأيدي في مواجهة حقهم السليب، ومن خلفهم وأمامهم الدولة التي يتوجب أن تحرص على الأرض والعرض. ويشفق المرء على جنوب السودان كيف يستطيع أن يبنى ويدير الدولة الجديدة، مع وجود نزاعات قبلية، وغياب التكنوقراطيين، والعمال المهرة، والساسة المتمرسين؟ ويأسى المرء أيضا على حال الحكومة في الشمال: كيف لها أن تحافظ على وحدة البلاد، ودارفور لا تزال تفور وتمور، والغلاء قد بسط جناحيه على جميع الشعب في الشمال، خاصة الفئات ذات الدخل المحدود، والمعارضة تتوعد بإسقاط النظام، والنظام بدوره يتوعد ويهدد بسحق المارقين على القانون. وينبئنا التاريخ بمفارقات التاسع من يناير: يوم الأحد التاسع من يناير عام 626 الموافق الثالث من شعبان في السنة الرابعة للهجرة الذي شهد مولد الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما. ويا للمفارقة فإن التاسع من يناير عام 1982 هو تاريخ ميلاد كيت ميدلتون خطيبة الأمير وليام الثاني ولي العرش في بريطانيا. وفي ذات اليوم من عام 1265 توفى هولاكو خان، القائد المغولي، وحفيد جنكيز خان. وفي نفس اليوم من عام 1873 لقي الامبراطور الفرنسي نابليون الثالث حتفه. وفي التاسع من يناير أيضا من عام 1939 أعلنت بريطانيا ضم طرابلس وبرقة إلى ليبيا، ومنحت السكان الجنسية الإيطالية. ومع التسليم بحتمية الانفصال، ترى ما الذي يحمله التاسع من يناير – والأيام الستة التي تليه – في طياته.. مظاهر شر، وأسى وحزن، أم ملامح بهجة وغبطة وسرور؟ ومثلما سأل الشاعر: أيكون الخير في الشر انطوى؟