13 ديسمبر 2025

تسجيل

إلى أين تسير الإنسانية؟!

08 ديسمبر 2022

تقدم علمي يفوق كل التوقعات.. اختراعات وابتكارات لا منتهى لها.. مبان تعانق السماء بتصاميم عجيبة.. ثورة تقنية عالية في أعلى مستوياتها.. واستثمارات مالية هائلة في كل القطاعات.. ورفاهية مادية لا حصر لها، وهوس على الاقتداء بالنموذج الغربي وما يحمله من قيم مهما كانت. فـ "المغلوب مولع ابداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده" ابن خلدون رحمه الله. ومع كل هذا لكننا نجد انحطاطا أخلاقيا، وانهيارا قيميا، وتفسخا وإباحية مجاهرا بها، وتطاولا على قيم الفطرة.. وإلحادا يضرب العالم بأدواته ومصدريه.. وأفواها وأيدي تعبر عن الانتكاسة الأخلاقية لدول تزعم أنها تتقدم مادياً ولكنها تسقط في أوحال الرذيلة من عري وشذوذ وإباحة كل ما ينافي الفطرة السليمة، وعالما يغلب عليه الغدر والعدوان والكيد والغرور والعنصرية واحتقار الغير إذا كان من غير جنسه ولونه، وتطاولا على أهل الحق والفطرة النظيفة في زمن التيه. قال ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ رحمه الله "ﺇﺫﺍ ﺗﺄﺫﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺎﻧﻘﺮﺍﺽ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻣﻦ ﺃﻣﺔ، ﺣﻤﻠﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﺭﺗﻜﺎﺏ ﺍﻟﻤﺬﻣﻮﻣﺎﺕ ﻭﺍﻟﺮﺫﺍﺋﻞ ﻭﺳﻠﻮﻙ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺣﺪﺙ ﻓﻲ ﺍﻷﻧﺪﻟﺲ ﻭﺃﺩﻯ ﻓﻴﻤﺎ ﺃﺩﻯ إلى ﺿﻴﺎﻋﻪ". والفيلسوف ﻏﻮﺳﺘﺎﻑ ﻟﻮﺑﻮﻥ له كلمات "ﺇﻥ ﺍﻻﻧﻘﻼﺏ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻷﻣﻢ ﺑﺎﻷﺧﻼﻕ ﻭحدها، ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﻳﺆﺳﺲ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻷﻣﺔ ﻭﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﺓ، ﻭﺧﻂ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻘﻠﺐ ﻓﻲ ﺑﻘﺎﺀ ﺍﻷﻣﺔ ﺃﻭ ﺳﻘﻮﻃﻬﺎ ﻗﻠﻴﻞ ﺟﺪًّﺍ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺬﻭﻯ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻷﻣﺔ ﺗﻤﻮﺕ ﻣﻊ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻘﻠﺐ ﺍﻟﻠﺬﻳﻦ ﺭﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮﻧﺎﻥ ﻣﺘﻘﺪﻣﻴﻦ ﻓﻲ ﻧﻮﺍح ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ". نعم عندما تسقط أمة أو مجتمع ما، يكون ذلك بسبب إقصاء منظومة القيم والأخلاق عن حركة حياتها فينفلت كل شيء فتسقط العفة ويذوب الحياء وتذهب المروءة، وهذا هو الإفلاس والضياع الحقيقي. ورحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي: وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلاً . فالأخلاق والقيم وعاء لكل بناء حضاري لمن أراد الركب والسير الصحيح، فرقي الأمم ليس في توافر الماديات وقوتها أو رقي العقل فحسب، بل بتوافر الأخلاق والقيم الإيجابية ممارسة في حركة الحياة بحيث يمتد آثارها للإنسانية عامة، ولا تجد هذا المعنى إلاّ في الإسلام فهو دين عالمي إنساني ويحمل في ثناياه الكرامة والرحمة والعدل للعالمين وبناء المجتمع الصالح القوي. "ومضة" ويبقى سؤالاً مفتوحاً.. إلى أين تسير الإنسانية في وقتنا هذا؟ وما الفائدة المرجوة إذا كان هناك تقدم علمي ورفاهية في العيش، إن لم تكن هناك قيم وأخلاق تصون وتحمي هذا التقدم الفكري والإبداعي والعلمي والبناء الحضاري في مساحات الحياة؟ ألا تعود الإنسانية إلى رشدها وبنائها الصحيح!.