18 سبتمبر 2025
تسجيلبعد ست جولات من المفاوضات المكثفة في فیینا والتي لم تنجح بسبب جشع الولایات المتحدة ومواقفها غیر الواقعیة، نحن الیوم على أعتاب انطلاق جولة جدیدة من المفاوضات. الغایة الرئیسة لهذه المفاوضات هی استیفاء حقوق الشعب الإیرانی وإلغاء جمیع العقوبات التی فُرضت بشكل أحادی وعابر للحدود على الشعب الإیرانی من قبل الولایات المتحدة بعد انسحابها من الاتفاق النووی. انسحبت الولایات المتحدة من الاتفاق النووی أحادیاً فی 8 مایو 2018 فی خطوة اعتُبرت على المستوى الدولی عملاً غیر قانونی وواجهت الإدانة. هناك إجماع دولی على أن مثل هذه الممارسات الأمريكية غیر القانونیة تمثّل تجاهلاً مطلقاً للقوانین الدولیة ومیثاق الأمم المتحدة وهی عمل باتجاه تقویض التعددیة وتهدید کبیر على السلام والأمن الدولیین. رغم مجيء إدارة أمريكية جدیدة، لم تزل کافة العقوبات غیر القانونیة والأحادیة قائمة، بل وتستمر سیاسة ممارسة العقوبات ضد إیران. إنه من الواضح أن هذه الممارسات الأمريكية تهدف إلى حرمان إیران وباقی أطراف الاتفاق النووی والمجتمع الدولی من الحقوق والامتیازات المصرح بها فی الاتفاق النووی وقرار مجلس الأمن رقم 2231. أما الدول الأوروبیة الثلاث الأطراف فی الاتفاق النووی، ورغم أنها اعتبرت التوجه الأمريكي غیر قانونی وغیر مقبول، فقد واکبت هذا التوجه والتزمت به من خلال صمتها وانفعالها. الممارسات الأمريكية التخریبیة ومواکبة الدول الأوروبیة الثلاث معها أفقدت الاتفاق النووی فاعلیته وقضت على کامل مزایا الاتفاق الاقتصادیة بالنسبة لإیران. هذه هی الحقائق المرة التی شهدتها السنوات الماضیة والتی ینبغی أن تكون مصباحاً ینیر طریق المستقبل. استمرار الإدارة الأمريكية الحالیة السیر على نهج إدارة ترامب التخریبی، یثیر تساؤلاً جدیاً عما إذا کانت الإدارة الأمريكية تمتلك فعلاً إرادة لتنفیذ التزاماتها وهل هی على استعداد للتخلي عن سیاساتها الفاشلة الماضیة؟ لا تبدو الإجابة عن هذا السؤال صعبة بالنظر للتوجه والممارسات التی تبنتها الولایات المتحدة على مدار الأشهر الماضیة. لا أحد بمقدوره التشكيك فی جدیة إیران وحسن نوایاها فی الالتزام الكامل بتعهداتها. بعد الانسحاب الأمريكي غیر القانونی من الاتفاق وفرضها العقوبات، کفّت إیران بحسن النیة عن القیام بالخطوات التعویضیة. وإذ أخذت فی الاعتبار مطلب الأطراف الباقیة فی الاتفاق والاتحاد الأوروبی بصفته منسق الاتفاق النووی، لم تلجأ إلى وقف العمل بالتزاماتها وفق الاتفاق النووی، لإتاحة فرصة لكي تقوم باقی أطراف الاتفاق بما یعوّض عن التبعات السلبیة لانسحاب الولایات المتحدة منه. مع ذلك، وبالنظر إلى استمرار هذه الظروف غیر البناءة، وبعد عام من الصبر الإستراتیجی، وفی ظل تشدید العقوبات الأمريكية، وكذلك عدم وفاء الدول الأوروبیة الثلاث بالتزاماتها، لم تجد إیران خیاراً سوى الاستفادة من حقوقها المنصوص علیها فی البندین 26 و36 من الاتفاق النووی، فبادرت بتعلیق جزء من التزاماتها بشکل مرحلی بدءاً من 8 مایو 2019. جراء عدم التحول فی الوضع القائم، وانعدام خطوات فاعلة من قبل الأطراف المعنیة بالاتفاق النووی، ومع الأخذ بعین الاعتبار التجربة المؤسفة التی حصلت، صادق مجلس الشورى الإسلامی الإیرانی على قانون "خطة العمل الإستراتیجی لإلغاء العقوبات وحمایة مصالح الشعب الإیرانی" فی 2 دیسمبر 2020. وقد ألزم هذا القانون الحكومة على وقف تنفیذ کل التدابیر الطوعیة الإیرانیة على النحو المنصوص علیه فی الاتفاق النووی تدریجیاً فی حال استمرار انتهاك أعضاء الاتفاق التزاماتها، إلا أن يعود باقی أعضاء الاتفاق لتنفیذ التزاماتها الكاملة عملیاً". الطریق الماثل أمام مفاوضات فیینا رغم کل حالات نكث العهد التی أبداها الغرب فی الاتفاق النووی، إیران مستعدة مرة أخرى - ولإظهار نوایاها الحسنة وبغیة تحقیق الهدف النهائی المتمثل فی إلغاء العقوبات الأحادیة وغیر القانونیة – لإجراء مفاوضات موجهة نحو تحقیق نتائج فعلیة والتوصل إلى "اتفاق جید" مع 4+1. تتمتع الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة بـ "حسن النیة" والعزیمة الحقیقیة فی هذا الطریق ولدیها الإرادة المطلوبة للتوصل إلى اتفاق جید فی فیینا. في إطار هذه العملیة، لا یجب نسیان أن الولایات المتحدة هی السبب الرئیس وراء خلق الوضع الراهن. خلال السنوات الأربع الماضیة، لم یتوان البیت الأبیض عن أی مسعى لتدمیر الاتفاق النووی وکانت إیران هی من بذلت قصارى جهودها لإبقاء الاتفاق النووی حیاً. إن ما تبین جلیاً لإیران خلال الجولات الست السابقة من المفاوضات هو أن الولایات المتحدة لا تزال تفتقر لوعي صحیح بحقیقة أنه لا سبیل لاستعادة الاتفاق النووی بدون إلغاء کل العقوبات التی فرضتها على الشعب الإیرانی بعد انسحابها من الاتفاق النووی. یهیب قرار مجلس الأمن رقم 2231 بجمیع الدول الأعضاء إلى "اتخاذ کل الإجراءات المناسبة لدعم تنفیذ خطة العمل، بوسائل منها اتخاذ إجراءات تتّسق مع مخطط التنفیذ المبین فی خطة العمل وهذا القرار والامتناع عن إتیان أعمال تعیق الوفاء بالالتزامات المنبثقة عن خطة العمل". ینبغی أن تكون الغایة الرئیسة للمفاوضات المقبلة هی التنفیذ الكامل والفعال للاتفاق النووی بغیة إرساء علاقات تجاریة طبیعیة وتعاون مستدام مع الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة. ومن البدیهی أن العودة للاتفاق النووی، یتطلب انتفاع إیران من إلغاء العقوبات بشكل نهائی. إن إیران على استعداد لوقف خطواتها التعویضیة، فی حال الحصول على الضمان وبحث الخسائر وإلغاء العقوبات بشكل مؤثر وقابل للتحقق. لن تكون عودة الولایات المتحدة المحتملة للاتفاق النووی محط اهتمامنا إلا فی حال تقدیم ضمانات بشأن عدم تكرار التجارب المریرة السابقة وإمكانية قیام شرکاء إیران الاقتصادیین بالتبادلات الاقتصادیة المستدامة معها باطمئنان ودون مخاوف. إن الواضح فيما یتعلق بالمحادثات المقبلة هو أن إیران ستخوضها بحسن النیة للتوصل إلى اتفاق جید؛ لكنها لن ترضخ للمطالب التی تتجاوز الاتفاق النووی ولن تبحث أی قضیة خارج إطار هذا الاتفاق. أود أن أجدد التأکید على أن نافذة هذه الفرصة لن تبقى مفتوحة إلى الأبد ویجب أن تعي الولایات المتحدة والدول الأوروبیة الثلاث هذه الحقیقة جیداً. إن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة – وإلى جانب جهودها الدبلوماسیة الحازمة والقویة والفعالة لإلغاء العقوبات الأمريكية الجائرة - تمتلك برنامجاً مؤثراً لإبطال مفعول العقوبات فی إطار خطة التنمیة المستدامة الاقتصادیة للبلاد. لا شك في أن طهران تلتزم بحمایة إنجازات علمائها وصناعتها النوویة السلمیة وصونها، بقدر التزامها بعدم انحراف برنامجها النووی السلمي. فهي لم تتوقف عن العمل على تطویر البلاد بشكل شامل فی جمیع مجالات الصناعة والتجارة والملاحة البحریة والفضاء والدفاع والعلم والتكنولوجیا والنمو الاقتصادي المطرد وغیرها رغم تعرضها لعقوبات غیر قانونیة وغیر إنسانیة. إننا نعتقد أنه فی حال وجود إرادة سیاسیة لدى الأطراف الأخرى بشكل فعلی، فالاتفاق ممكن وفی متناول الید. رغم نكث الغرب عهوده وعدم الثقة فی توجه البیت الأبیض وسیاساته غیر البناءة، ستسعى الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة بـ "إرادة حقیقیة" و"نوایا حسنة" إلى التوصل لـ "اتفاق جید" ومستدام وقابل للتحقق حول إلغاء العقوبات خلال الجولة الجدیدة من مفاوضات فیینا. یحضر فریق تفاوض الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة فی فیینا وعلى طاولة المفاوضات بشكل فعال متزوداً بحسن النیة والجدیة ومنطق تفاوضی یعتمد على حمایة مصالح الشعب الإیرانی وحقوقه. کذلك، أنا وزملائي مستمرون فی توفیر الدعم الكامل لفریق التفاوض وکبیر مفاوضینا، الدکتور باقري، الذی یمتلك خبرة عالیة في مفاوضات من هذا النوع. وسأقوم بالمزید من المشاورات مع نظرائي إذا اقتضى الأمر. وزیر خارجیة الجمهورية الإسلامية الإيرانية