19 سبتمبر 2025
تسجيلبعض الإسلاميين" أقول بعضهم" وبخاصة المستجدون على العمل السياسي ممن كانوا منكبّين على الكتب ، والذين لم يمارسوا العمل السياسي إلا في بيوتهم وفي مدينتهم الفاضلة.. هؤلاء البعض تورطوا " والأكيد أنهم في بعض الأحيان تم توريطهم " في إجابات وإعلان مواقف غير موضوعية صدرت عنهم بعد الفوز في انتخابات تونس والمغرب وبوادر فوزهم في مصر .. فراحوا يصرحون بأنهم سيلاحقون كذا وكذا من سلوكات وقناعات الآخرين ، وأنهم سيصححون مسار هدم فكري ونفسي وأخلاقي وسياسي واقتصادي لعشرات بل لمئات السنين في هذه الزمرة المحدودة من الأنصار والزمان .. وراحوا يتحدثون عن الصغيرة والكبيرة كما لو كانوا أوصياء على الناس والضمائر والحاضر والمستقبل بفهمهم وسلوكهم وبالنسبة المئوية التي حصلوا عليها في الانتخابات.. هذه الاستعلائية ربما حملتهم عليها نشوة الفرح بالانتصار وتمكنهم أخيرا من الخروج إلى النور ، أو كانت ردّات فعل على الاستفزاز الكثير الذي يتعرضون له من خصوم لا يقبلون الديمقراطية وتحدثهم أنفسهم بالانقلاب عليها لو استطاعوا .. بعض آخر من الإسلاميين أرادوا أن يعطوا الصورة المعتدلة للإسلام فراحوا يستحضرون الحالة المكية قبل الهجرة على أنها هي التي تتطابق مع حال دولنا وشعوبنا.. وبما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – كان في مكة لا يسعى إلا للسلامة له ولأنصاره ولدعوته فليس عليهم لو عبد جيرانهم الحجارة وفعلوا الفواحش.. هؤلاء – للأسف – مآل تصريحاتهم أن يبقى الناس والمجتمعات على ما هي عليه من تقليل شأن الشريعة وتقليل دورها في الحكم.. وأقول: بالتأكيد هذا وذاك مواقف للبعض وليس للكل ولا حتى للأكثر .. ما يجعل ضروريا أن يتنبه الإسلاميون بكل تلاوينهم ورؤاهم لما يقولون وما يبشرون به في مطلع هذه الحالة .. فلا يجوز أن يغيب عنهم أنهم اليوم من حيث يريدون أو لا يريدون في مركب واحد ، وأن مواقف وتصريحات بعضهم يؤثر على صورة ومواقف ومكتسبات الطرف الآخر .. فلا يجوز أن يختلفوا على شيء إلى درجة القطيعة والنقيض أو إلى درجة أن بعضهم يتحالف بعضهم مع فلول الحزب السابق كما حدث في الإسكندرية مثلا .. يجب أن يفهموا أن الخلافات الكثيرة والحادة بينهم وخصوصا ما يصل منها للإعلام العام لن تقف آثاره وتفاعلاته ومخاطره عند خسارة موقف ما ولكنها قد تصل إلى فقدان الرأي العام وثقة الجماهير بهم جميعا وبالمنهاج نفسه الذي يمثلونه ، والذي يجب أن يبقى دائما خارج نطاق الاختلاف والتراشق .. فصورة الإسلام اليوم - وبالذات منه السياسي – صارت على المحك ، وهي أمانة في أعناقهم سرا وجهرا ، وأي تكتيك أو غوص في التفاصيل يجب أن يتوافق مع هذه الرؤية الاستراتيجية .. يجب أن يتنبهوا جميعا ولا يغيب عنهم – أيضا – أن الحالة التي تمر بها الأمة هي حالة ستكون ذات مدى وأثر بعيدين ، وأن حالة دولنا وشعوبنا ( بعد وصولهم للحكم ) ليست مطابقة للحالة المدنية – دولة الإسلام في العهد المدني - حيث كان الإسلام سيد الموقف وكان رئيس الدولة هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يختلف عليه .. فإن توهموا ذلك فهم مخطئون ومستعجلون .. وربما يغرقون ويغرقون البلاد في تحديات ورعونات تكون نهايتها (أسخم وأوخم وألطم ) من التهرؤ الذي كانت تمارسته وتجلبته النظم السابقة.. هؤلاء أذكرهم بقوله صلى الله عليه وسلم "إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى".. فليربعوا على أنفسهم وليتركوا للزمن وللجمهور وللأنصار أن يحسموا الكثير من معاركهم .. فالمجتمعات التي ينافسون على قيادتها بوضعها الحالي بعد كل هذا التخريب والتغريب لعشرات بل لمئات السنين لن تقبل الإسلام الذي ينادون به دفعة واحدة.. ففي البلاد اليوم أحزاب وصلت قناعاتها وثقافتها إلى الإلحاد الصريح وإلى العمالة الوقحة والخيانة العظمى .. فضلا عمن وراءها ممن يدسون المكر الكبار ليل نهار .. هؤلاء الإسلاميون عليهم أن لا يبالغوا في وعودهم الانتخابية ، وأن لا يوهموا الناس بأن الحلول وراء الباب .. الإسلاميون الآخرون .. عليهم أن يتنبهوا إلى أن المجاملة لا يجوز أن تصل للمساومة على المبادئ ، ولا إلى القول بأنهم لن يحاربوا الخمور ولن يمنعوا السفور ولن يقاوموا الإلحاد .. وعليهم أن يقتنعوا ابتداء وفي ذات تفكيرهم وخاصة ضميرهم وبعيدا عن كل حسابات الربح والخسارة أن حالة دولهم التي يصلون لحكمها - وإن تشابهت في جانب منها بالحالة المكية – بجامع أنهم لا يملكون كل زمام الأمور بدون منازع ، وبجامع أنهم يستطيعون شيئا ولا يستطيعون أشياء .. إلا أنهم أصحاب دعوة لا يجوز أن يتخلوا عنها ، وهم يحاربون الرذائل ويعملون على تنظيف المجتمعات منها .. هذا يعني أنهم لن يتخلوا عن ذمها والتحريض على منعها والتضييق على خناقها .. لا أن يقول قائلهم " نريد دولة مدنية ولن نمنع شرب الخمور ولن نطارد السفور ولا الربا !! " هكذا بدون ملاحق ولا تعقيبات ولا حدود ولا قيود .. " .. آخر القول: يخطئ بعض الإسلاميين إذ يتوهمون أنهم قادرون على إصلاح الكون بين عشية وضحاها .. ويخطئون أكثر وأكثر إن ظنوا أن الديمقراطية التي جاءت بهم لسدة الحكم ستعطيهم كل الفرصة لإقامة دولة الإسلام على المقاس الذي يمنون به أنفسهم .. ربما يكون ذلك ولكن بعد نجاحات كثيرة صاروا على محكها الآن .. كما يخطئ آخرون ما زالوا يعيشون حالة الاستضعاف والعجز تائهين عن قيمة الشعوب بعد الثورات العربية ، وغافلين ما أعطتهم هذه الشعوب من ثقة.. هي حالة إذن تأتي بالضبط ما بين " دعوة مكة ودولة المدينة "وما لا يدرك كله لا يترك جله.. وعليهم في هذه المرحلة أن يكونوا صرحاء في مخاطبة جمهورهم وناخبيهم بأنهم جزء من الحل وليسوا كله ولا حتى معظمه.