16 سبتمبر 2025

تسجيل

سوريا مرتكز الأمن القومي العربي المهدد

08 نوفمبر 2015

ثمة سؤالٌ كبير جداً آن للعرب التفكير فيه بجدية: مَن في هذا العالم يُهمهُ حقاً مصيرهم، شعوباً وحكومات؟ بمعنى، هل هناك قوةٌ إقليمية أو عالمية تُمانعُ، ولو من باب المصالح، ليس فقط في استمرار الفوضى الراهنة في العالم العربي، بل في تصاعدها إلى أقصى حدٍ ممكن؟ مع كل ما يمكن أن يصاحب ذلك من (تغييرات) في الخرائط والأنظمة والتركيبات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في أقطار العرب.لا يمكن تصور خطورة السؤال دون إدراك حجم وطبيعة الانقلاب الذي حدث في رؤية النظام العالمي للمنطقة العربية في السنوات الخمسة الأخيرة، بعد تلك اللحظة التي أشعل فيها شابٌ تونسي النار في نفسه.ليس مهماً هنا وصفُ ما حدثَ بعدها بـ (الربيع العربي) أو غير ذلك. لايُغير في الأمر شيئاً رفضُ تسمية (الثورات) من قبل البعض، والإصرارُ عليها من قبل البعض الآخر. فهذه تقسيماتٌ في ذهننا وحدَنا، وليست سوى عنصرٍ (جانبي) و(إعلامي) في تعامل النظام الدولي مع المنطقة. والتفكيرُ بتلك الطريقة أقرب لما يكون بـ (تفكيرٍ رغائبي) لاعلاقة له بحقيقة المشهد وحساباته.ما حصلَ حصل. ولم يطل الوقتُ حتى أدركت أطراف عديدة في النظامين الإقليمي والدولي أن الحدثَ أدخل العالم العربي كلياً في حقبةٍ جديدة. وبغض النظر عما يمكن أن تحملهُ هذه الحقبة للعرب أنفسهم، كان ما يهم تلك الأطراف، ولايزال، هو ما تحملهُ من (مخاطر) أو (فُرص)، غير مسبوقة، عليها و/أو لها.واقعُ الأمر أن العالم العربي، بأسره، لم يكن (مكشوفاً) في أي مرحلةٍ سابقة كما باتَ عليه الحال في الفترة الأخيرة. ضروريٌ هنا، لفهم الظاهرة، التأكيد، مرةً أخرى، أن العالم الخارجي لايتعامل، إستراتيجياً، مع مكونات العالم العربي، (دُوَلهِ تحديداً)، بناءً على مواقف هذه الأخيرة مع أو ضد وَصفِ الربيع أو تسمية الثورات.فسواء أعجَبَنَا، كعرب، هذا الوضع أم لا، هناك اعتقادٌ راسخ في دوائر الدراسات الإستراتيجية وصناعة القرار أن العاصفة، بكل مكوناتها ونتائجها، تَهبﱠ في هذه المنطقة من العالم الذي يُكوﱢنُ، تاريخياً وثقافياً وجغرافياً واجتماعياً، كُتلةً واحدة. وأن تأثير المتغيرات التي تحملُها، العاصفةُ إياها، بالغُ العمق والتعقيد والتداخل بحيث لا يمكن، إستراتيجياً، عزلُ جزءٍ منها عن الآخر، اللهم إلا عند الحاجة لسياسات وتصريحات تكتيكية قصيرة المدى، وبأهداف (دبلوماسية) و(اقتصادية)..خلاصة القول في هذا المجال إن الأمن القومي العربي لم يكن متداخلاً من قبل كما هو عليه الحال اليوم.. وأكثرُ من ذلك، لم يكن الأمن المذكور مُهدداً، من قَبل، بهذه الخطورة.. وقبل الإجابة عن سؤال: ما العمل؟ يمكن التذكير بحقائق أخرى، إضافةً إلى ماسبق، كمؤشرات على هذا الموقف.ففي مسألة الطاقة التي تُعتبر عنصراً رئيساً في رؤية العالم للمنطقة، وسياساته بخصوصها، ثمة حساباتٌ جديدةٌ كلياً تعتمد على اكتشاف احتياطيات من البترول والغاز في أماكن مختلفة من باكستان إلى بحر الشمال ومن الكونغو إلى رومانيا، مروراً بكل من تنزانيا وكينيا والهند والفليبين وتركمانستان و"إسرائيل" وغيرها، هذا فضلاً عن استمرار الاكتشافات في البلدان المعروفة كأمريكا وروسيا والمكسيك. ما من شكٍ أن البترول والغاز في العالم العربي سيظلان عنصراً أساسياً في الحسابات، لكن الصورة العامة للموضوع تمثل عاملاً أساسياً في زحزحة الاهتمام الكامل السابق بأمن المنطقة واستقرارها لدى النظام الدولي.وفي عالمٍ يتمحور حول لغة المصالح، يبدو المشهدُ التالي بؤرةَ اهتمامه ومرتكزَ صناعة سياساته: منطقةٌ تتصاعد فيها العواصف من ناحية، وتقل أهميتها الاقتصادية من ناحية ثانية، وتبدو طامحةً للعب دورٍ إقليمي يُحقق مصالحها أكثرَ من ذي قبل من جهةٍ ثالثة.لايكفي هذا المشهد، على أهميته، لإعلان الزهد في المنطقة.. المطلوب إذاً معادلةٌ جديدة تؤمِّنُ ما تبقى من مصالح، دون اضطرارٍ لأي نوعٍ من توريط النفس فيها.هنا تحديداً يأتي دورُ الروس والإيرانيين.يقول المثل السوري إن الطباخ الماهر "لا يُزفِّر يديه" إذا كان هناك من يمكن له القيامُ بهذه المهمة.. وهذا ما يفعله بوتين وآياتُ طهران بالضبط. لمزيدٍ من التوضيح: لا يعني التحليل أن روسيا وإيران تقومان بالمهمة لـ "زرقة عيون" الآخرين. على العكس تماماً. كل ما في الأمر أن ثمة نقطة التقاء مصالح تاريخية يعمل الطرفان بدأب على أن تُحقق المعادلة المشهورة بالإنجليزية win win situation، بمعنى فوزهما سوياً بالغنيمة.