15 سبتمبر 2025

تسجيل

لبنان: شغور رئاسي وتمديد برلماني

08 نوفمبر 2014

محمد مصطفى علوشبحجة تردي الوضع الأمني وعدم قدرة الأجهزة الأمنية على تأمين الانتخابات البرلمانية مدّد مجلس النواب اللبناني لنفسه للمرة الثانية بعد أن أصبح شغور كرسي رئاسة الجمهورية أمرا مألوفا للشعب اللبناني وساساته على السواء. ولعل المؤشر الوحيد الملحوظ في هذا الأمر أن المواطن اللبناني لم يعد يكترث بأكثر من لقمة العيش ووضع أمني مستقر بعد أن يئس من توزيع الأدوار وتبادلها بين القوى السياسية المتناحرة إلى ما شاء الله والمتصالحة متى ما دعت الظروف الإقليمية لذلك. فمنذ الخامس والعشرين من مايو الماضي وكرسي رئاسة الجهورية اللبنانية شاغراً، حيث انتهت ولاية الرئيس ميشال سليمان دون وجود بديل منتخب ضمن المهل الدستورية.. والحال أن أيّا من الأطراف السياسية لا يملك تأمين النصاب القانوني لانتخاب رئيس، والانقسام السياسي الحاد بين قوى 8 و14 آذار منذ العام 2005 وتزايد حدته بعد الأزمة السورية العام 2011 على أثر التدخل اللبناني في الوضع السوري حال دون قدرة اللبنانيين داخلياً على إنتاج تفاهمات بالحد الأدنى لانتخاب رئيس أو تسمية مرشح.وخيار التمديد للبرلمان يعكس قلقا من أزمة مستجدة قد تزلزل الواقع السياسي الذي ارتضته القوى السياسية برعاية دولية، وأن تبقى الساحة اللبنانية في حالة من الانتظار السياسي والترقب الأمني، واقتصار عمل الحكومة على الملف الأمني كأولوية تامة مدعومة من جميع القوى في الداخل وبغطاء خارجي لمنع انزلاق البلاد إلى اضطرابات أمنية على شاكلة تلك التي مر بها لبنان خلال السنتين الماضيتين يعتبر أمراً محببا للجميع. يضاف له من أهداف أن التمديد وقع لأنه لا تفاهم على قانون للانتخابات، وأي نقاش حول قانون الانتخاب قد يسقط الحكومة نفسها، وبالتالي يصبح لبنان خاليا تماما من أي مؤسسة دستورية باستثناء مؤسسة القضاء وهو عمليا أخطر بكثير لأنه سقوط للبنان كدولة بشكل تام، ثم إن إطالة أمد الفراغ في مؤسسة الرئاسة يشكل قلقا للمسيحيين الذين يرون في غياب الرئيس قضاء تاماً على حقوقهم، وأن إنتاج رئيس، وإن بسلطات محدودة، أمر مطلوب كونه قادراً على أن يكون رمزا للاعتدال والتعايش يحمي لبنان من الحروب الطائفية المستعرة بين السنّة والشيعة في المنطقة.ويخطئ من يظن أن المعضلة اللبنانية الأساسية تكمن اليوم في ملء شغور منصب الرئاسة أو إجراء انتخابات برلمانية سريعاً، هذه الأمور على أهميتها الدستورية إلا أنها عوارض لمشكلات متجذرة وأزمات مزمنة، وغالباً ما اعتادت المؤسسات الدستورية على العمل في ظروف مشابهة لما نحن فيه اليوم. والشواغر الدستورية مؤشرات على واقع سياسي متردي ومترهل أنتجته طبقة سياسية هي في مجملها عاجزة عن اتخاذ أي قرار دون توجيه خارجي. وهامش حرية التحرك بين الطبقة السياسية المنقسمة في قالب تكتل هنا وتيار هناك ضيق لدرجة يمكن القول إن الطبقة السياسية بجميع تلاوينها مسلوبة الإرادة تماما. كما أن العمل وفق مقتضيات الوحدة الوطنية البحتة أمر شبه غائب من قاموس السياسيين الذين دائما ما يبررون سياساتهم بذريعة حماية لبنان وهويته ومقدراته من الاستلاب لمشاريع دولية وإقليمية مشبوهة.التدخلات الخارجية لم تسمح بوجود مؤسسات دولة قوية، ومستقلة. وحساباتها تتعدى الملف اللبناني إلى ملفات عديدة، نستطيع القول إن لبنان مختطف من يد شعبه منذ زمن، وكل المساعي المخلصة والجادة التي قامت بها قيادات سياسية وطنية في حقبات تاريخية مختلفة لخلق ديمقراطية حقيقية وحماية لبنان من لعبة المحاور باءت جميعها بالفشل مع رحيل هذه الزعامات التاريخية والتي قضى أغلبها باغتيال جسدي أو معنوي. والحلول المقدمة لتفكيك الأزمات كانت تكرس عن عمد في غالب الأحيان النمط الطائفي، وتعزز الفرز بين الشعب اللبناني على أسس دينية ومذهبية ومناطقية.وهناك قناعة بدأت تتشكل عند أطياف سياسية أن أزمات لبنان المتكررة والمستمرة، واستقراره الهش الذي ينهار عند كل هزة داخلية وإقليمية يعكس خللا في بنية النظام السياسي وعقده الاجتماعي، وأن الأمر يتطلب إحداث تغيرات جوهرية في بنية النظام السياسي نفسه.