12 سبتمبر 2025

تسجيل

حماية لمنظمة التحرير.. وليس هجوما عليها!!

08 نوفمبر 2012

التصريح الأخير لمحمود عباس " رئيس السلطة ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس دولة فلسطين " الذي أعلن فيه تنازله عن حق العودة إلى صفد وفلسطين الـ48 وأنه لن يسمح بانتفاضة ثالثة.. هو بالتأكيد ليس مجرد تصريح شخصي يتعلق به وبأهل بيته، كما لا يمكن ترقيعه بمقابلة في أي تليفزيون آخر تنثر فيها تعبيرات الوفاء للوطن والقضية أو تلقى فيها قنابل صوتية أو تثار فيها سواتر دخانية من نوع الهجوم على حماس لتغيير عناوين الاهتمام.. وبالتأكيد ولا بتصريح من ليبرمان يحاول فيه إعادة الاعتبار له وإعادة تصفيفه في أعداء "إسرائيل".. تصريح محمود عباس ليس خاليا من دلالات الزمان والمكان واللغة والسياق، فالزمان هو يوم 2 / 11 حيث ذكرى وعد الوزير البريطاني "بلفور" المشؤوم الذي قدمه سنة 1917 ومنح فيه أرض فلسطين لليهود والذي طالما قلنا عنه " وعد من لا يملك لمن لا يستحق " لقد جاء هذه المرة من رجل هو في سدة الصدارة الرسمية ويمسك بتلابيب كل المؤسسات والممثليات الرسمية.. وأما من حيث المكان واللغة فكونه عبر تليفزيون العدو وباللغة الإنجليزية إنما يؤكد أنها رسالة مقصودة، وأنها موجهة للعالم الغربي خاصة وللشعب الصهيوني بأخص الخصوص.. ما ينفي أنها زلة لسان.. وأما السياق فالكلام يأتي في ظل " طنطنات " الوزير الصهيوني ليبرمان ضده وتهديده إياه بالقتل، وفي ظل تعطل عملية التسوية، وفي ظل التحضير للذهاب إلى الأمم المتحدة طلبا لاعتماد السلطة كمراقب في هيئتها العامة.. ذلك كله يصنف التصريح في خانة الثمن المدفوع سلفا للسلامة الشخصية للرجل، ولمقايضة إطلاق عملية التسوية، وللخطو نحو الأمم المتحدة.. وكله ينفي دعوى المدافعين عنه – عن عباس – وعن سلطته وادعاءهم أن التصريح لا جديد فيه وأنه حُمِّل أكثر مما يحتمل..  القضية – في نظري - أخطر من تصريح فهمه الناس بطريقة ما (صحيحة كانت أو خاطئة) وأكبر من لقاء تليفزيوني وأوسع من الخصومة مع الرجل أو عليه.. القضية أن الرجل تجتمع فيه كل أسباب إدانته وتتضافر كل تصريحاته ومسيرته ومفاجآته في اتجاه واحد هو التنازلات وتجاوز الثوابت التي قامت القضية عليها منذ وجدت، والقضية أنه يصرح بمناسبة وبدون مناسبة بأنها حدود برنامجه وبرنامج منظمته وسلطته ودولته.. وأخطر من ذلك أن تشكل برنامج المنظمة التي تمثل كل الفلسطينيين بموافقهم ومعارضهم ومن يعترف به ومن لا يعترف.. والقضية أن يقع هذا كله وهو فاقد الشرعية الانتخابية بانتهاء ولايته قبل سنوات، وفاقد الشرعية التوافقية بصدامه مع الفصائل المهمة والأكبر التي تمثل أغلبية الشعب الفلسطيني، وفاقد الشرعية الثورية عندما يطارد المقاومة، وفاقد الشرعية الوطنية عندما يناصر الاحتلال سياسيا وأمنيا كما حدث مع تقرير جولدستون والتنسيق المخابراتي..  أقول: في لحظة ما يصير إعلان الموقف مساويا في القيمة والأهمية للموقف ذاته، بقدر ما يصير عدم إعلان الموقف مساويا لعدم وجود الموقف أصلا.. وعليه فالذين لا يزالون يقنعون أنفسهم بأن وجود "محمود عباس" وزمرة مستشاريه ووزرائه على رأس المنظمة والسلطة ليس أبديا؛ وأنه بالتالي لا يجوز أن تكون سياساته ومواقفه ووجوده سببا في حدوث افتراق إستراتيجي داخل الشعب الفلسطيني.. هؤلاء ليس عليهم أن يتوقفوا كثيرا أمام التخوف من أن تؤدي مفاصلته لهدم المؤسسات التي يترأسها..  بالتأكيد لست أدعو للمفاصلة مع المنظمة، ولا لإسقاط شرعية تمثيلها.. ولكننا في الآن نفسه لا يجوز أن نتجاهل أنها صارت حكرا لمجموعة قليلة من الشعب الفلسطيني تحتكر تمثيلها لذاتها وأهاليها ومحاسيبها ومشاريعها، وأن ما تقوم به هذه المجموعة صار يتعدى وجودها في الشعب الفلسطيني زمانا ومكانا وجيلا..  لا أحد يريد إنهاء المنظمة ابتداء.. ولكن ماذا لو صارت المفاضلة بينها وبين القضية؟ وماذا لو صارت المقايسة بين عباس وبين فلسطين؟ وماذا لو صارت المراجحة بين السلطة وبين الثوابت الفلسطينية؟ وإذا لم تستطع هذه الهيئات الرسمية أن تلجم خطاياه وأن توقفه أمام مسؤولياته الوطنية، وإذا لم تستطع استثمار مكانتها وتمثيلها لحماية أهم وأخطر الثوابت؛ فإلى أي مدى يجب أن تظل هذه المؤسسات صنما يدور حوله البلهاء؟  وحركات - حماس والجهاد الإسلامي وكتائب العودة وغيرها من فصائل المقاومة - التي تملك الكثير من نقاط القوة والشرعية والتمثيل والتي تشرب من ذات النبع الثوري والتحرري والتغييري الذي تشرب منه الثورات العربية.. هل عليها أن تظل واقفة بالباب عسى أن يفتح أو لا يفتح أبداً لها؟ وإلى متى سيظل بحث نزع شرعية هذه المنظمة خطا أحمر فيما المصريون نزعوا شرعية نظام مبارك " كنظام لا كشخص "؟ وهكذا فعل التونسيون مع نظام بن علي كنظام وكمنظومة لا كأشخاص، وفعل مثله الليبيون واليمنيون.. وهكذا يفعل السوريون مع نظام الأسد!!  فإذا كان ما وقع في طول وعرض البلاد العربية وشعوبها هو نزع لمنظومات اختلط فيها الشخصي بالوطني والخاص بالعام حتى صحت تسميتها ثورات وحتى غيرت كل شيء.. فإن ذلك تماما هو ما يجب أن ينضج باتجاهه الشعب الفلسطيني، وما يجب أن تصل إليه رؤية هذا الشعب الذي حقق الكثير حتى الآن..  آخر القول: يجب أن يستقر في ذهن عباس ومن معه أنهم إذ يتحصنون بمنظمة التحرير الفلسطينية في مواجهة الشعب الفلسطيني، وعندما يقصفون من على أسوارها حلم الفلسطينيين بالعودة والتحرير وتقرير المصير، وإذ يحولونها لصنم أجوف، فإنهم يغامرون بآخر ما تبقى منها وأن الشعب الفلسطيني لن يظل يطوف حولها كما كان يطوف البلهاء باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى.