02 نوفمبر 2025
تسجيلأطلقت تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول معاهدة لوزان عام 1923 سجالا واسعا داخل تركيا وحتى خارجها.أردوغان اعتبر مؤخرا أن معاهدة لوزان لم تكن نصرا كما كان العلمانيون يروجون بل كانت هزيمة. ويستدل أردوغان على ذلك من أن أتاتورك قد تخلى عن العديد من الجزر الواقعة في بحر إيجة في لوزان لليونان بينما هي تركية والجوامع لا تزال فيها حتى الآن وإذا صرخ أحدهم من الساحل التركي فإن صوته يسمع في تلك الجزر.ليست المرة الأولى التي تثار فيها قضايا الحدود مع اليونان. فالخلافات التركية معها كثيرة تشمل الجرف القاري في بحر إيجه وحدود المياه الإقليمية والمجال الجوي. ومن وقت لآخر تحصل حوادث مقصودة أو بالصدفة تنعكس أحيانا توترات أمنية أو حتى صدامات عسكرية.لكن النزاعات الحدودية تتحول إلى نزاعات أكبر وأوسع وأعمق عندما تدخل عليها عوامل الاختلاف الديني والعرقي والحضاري كما هو الحال بالفعل عبر القرون بين تركيا واليونان.مع ذلك فلو قصرنا الكلام على النزاعات الحدودية فإن الأمر يبدو في غاية الخطورة على الاستقرار والعلاقات الثنائية والجماعية بين الدول.ومنطق النظرة إلى الحدود انطلاقا من الماضي والموروث التاريخي يفتح على نزاعات تبدأ ولا تنتهي. فليس من بلد في العالم تقف حدوده الحالية عند ما كانت عليه عبر التاريخ. تنطبق هذه القاعدة على الدول الأوروبية كما على الدول الآسيوية والإفريقية.لكن الوضع في الشرق الأوسط كان مثالا بارزا على تلك الحدود المسكونة بالتغيير.ومنطلق ذلك بالطبع اتفاقية سايكس – بيكو التي أبرمتها فرنسا وبريطانيا عام 1916 أي قبل مائة عام. هذه الاتفاقية بين الرجلين المذكورين لم تراع الوحدة الطبيعية للجغرافيا أو العرق أو حتى الدين أو المذهب في التقسيمات الجغرافية، وفي العلاقة بين المستعمر والمستعمرات ترسم حدود مصالح المستعمر التي تقضي غالبا في رسم حدود بين أبناء القومية الواحدة بل حتى أبناء المدينة الواحدة والحي الواحد والمنزل الواحد.دائما يترك المستعمر أفخاخا يستغلها لاحقا لتفجير الصراعات للبقاء مهيمنا على قرار الدول التي كانت مستعمرات تابعة له ثم نالت استقلالها،النسبي في كل الأحوال.عانى الشرق الأوسط والمنطقة العربية من التنازع على الحدود بين مصر والسودان وبين المغرب والجزائر وبين إيران والإمارات وبين العراق والكويت وبين سوريا وتركيا(حول الاسكندرون). ولم يكتف بذلك بل إن التشظي وصل إلى رسم حدود جديدة كما في السودان بالتقسيم، والعراق بالفيدرالية التي أعلنت بعد الغزو الأمريكي لهذا البلد.لكن إثارة هذه النزاعات على قاعدة نزعات تاريخية لا تخدم سوى تأبيد الخلافات والأحقاد والعداوات بين الدول والشعوب، وغالبا ما تستنزف الدول أموالها وطاقاتها وتبدد ثرواتها وتغامر باستقرارها عندما تبعث وتحيي هذه النزعات فلا تكون المحصلة سوى المزيد من الخسائر المتبادلة ولا أحد رابحا وعلى قاعدة خاسر- خاسر.غير أن اخطر ما في إثارة هذه النزعات هو استغلالها للتوظيف في الصراعات الداخلية في كل بلد بين التيارات السياسية.فحين يشعر طرف أنه في موقع متراجع من حيث الشعبية يلجأ إلى افتعال نزاع خارجي متوسلا التبريرات التاريخية ذات العلاقة بالحدود أو الجماعات العرقية والدينية والمذهبية. وهذه "عادة" اتبعها العديد من الزعماء الأتراك في مطاردتهم لحزب العمال الكردستاني وأبرز مثل عليها هو التدخل التركي في قبرص عام 1974 في عهد نجم الدين أربكان وبولنت أجاويد كما اختلاق التوتر مع سوريا حول عبدالله اوجلان في العام 1998 وللصدفة في عهد أجاويد أيضا، والتي انتهت إلى إخراج أوجلان من سوريا واعتقاله بل خطفه لاحقا من كينيا. ومنها الغزو العراقي للكويت واحتلالها في توظيف للخلاف حينها بين صدام حسين والدول الخليجية حول مسائل نفطية ومالية.المسألة الأساسية التي أنهت النزاعات الحدودية في أوروبا هي النظر إلى المستقبل لا الماضي لذا هم يتقدمون حضاريا فيما نحن لا نزال غارقين في البحث في ماض لم يجلب لنا سوى المزيد من التخلف والمآسي التي لا يبدو أن أوان نهايتها قد حان.