20 سبتمبر 2025
تسجيل(1) أظهرت القاهرة احتفاء كبيرا بزيارة الرئيس السوداني لمصر نهاية الأسبوع الماضي، وقام الرئيس عبدالفتاح السيسي بتقليد عمر البشير وسام نجمة الشرف تقديرًا لمشاركته ضمن الوحدات العسكرية السودانية التي خدمت على جبهة القتال في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر عام 1973 في ذكراها الثالثة والأربعين.. ودعا السيسي نظيره السوداني في افتتاح الدورة الأولى للجنة العليا المشتركة لإطلاق شراكة إستراتيجية شاملة بين البلدين لتجسد العلاقات الوثيقة والروابط التاريخية العريقة الممتدة، ورسم الأطر اللازمة لإحراز التقدم في شتى مجالات العلاقات الثنائية، وبما يرسخ المصالح المشتركة بين البلدين. وتأخرت زيارة البشير إلى القاهرة 10 أشهر حسب إعلانها من جانب الخرطوم في وقت سابق.وعزف السيسي على ذات الأوتار الكلاسيكية حين أكد أن العلاقات بين مصر والسودان تمر بلحظة مهمة في تاريخها؛ فالحديث المكرور الذي يتحدث به مسؤولو البلدين عشية وضحاها وعند كل مناسبة، عن أزلية العلاقة بين البلدين الشقيقين ليس إلا جعجعة من دون طحين، في ذات الوقت تطحن الأزمات السياسية والاقتصادية مواطني البلدين طحنا.. سيظل ذلك ضربا من النفاق السياسي ما لم تتوافر الإرادة السياسية لحل الملفات العالقة، وهذا ما لا يبدو متوقعا من نظامين معزولين يفتقران للشرعية أو السند الشعبي داخليا.في ديسمبر الماضي وبعد أحداثٍ عاصفة أعادت علاقة مصر والسودان لمربع التوتر، بدأت الخرطوم الإعلان بكثافة عن لقاء قمة بين الرئيسين، وفي حين جاء الإعلان على لسان وزير الخارجية السوداني متحدثا عن ترتيبات تجرى حاليا بين العاصمتين لعقد قمة بين رئيسي البلدين، وحدد السفير السوداني في مصر، انعقاد القمة في يناير الماضي بالقاهرة. لكن القاهرة سربت في اليوم التالي خبرا نسبته إلى مصادر دبلوماسية تم فيه نفي ما نشر على لسان الوزير السوداني. وأكدت تلك المصادر أن هذه المعلومات لا أساس لها من الصحة. والمعلوم أن هناك قمة متفقا عليها في الربع الأول من العام 2016، ضمن اجتماعات اللجنة العليا المشتركة.ربما عبر النفي المصري غير الرسمي في حينه عن تمنّع وعدم رضا، أو كان في الأمر رسالة ما للخرطوم. والواقع أن توتر العلاقات جاء بسبب ملفين مهمين هما: مثلث حلايب المتنازع عليه، وسد النهضة الإثيوبي الذي تعارضه مصر وتتهم السودان بمساندة موقف إثيوبيا، فضلا عن المضايقات التي تعرضت الجالية السودانية في مصر.وغضبت القاهرة من تصريحات جاءت على لسان البشير قال فيها إن سد النهضة أصبح واقعا ولا يؤثر سلبا على بلاده. وجدد البشير مطالبة بلاده بمثلث حلايب وأنهم تقدموا بشكوى إلى مجلس الأمن باعتباره جزءًا من الأراضي السودانية. ولم يتأخر الرد المصري حيث وصف سفير مصري عمل في السودان تصريحات البشير بأنها "خرافات يجب ألا نصمت عليها". وأبقت القاهرة ردودها العنيفة بعيدا عن القنوات الرسمية.إن كلا من الخرطوم والقاهرة تعانيان من مشاكل عويصة ومتماثلة في الوقت نفسه؛ وهو ما يجعلهما مضطرتين للتضامن رغم مظاهر الاختلاف والتناقض بينهما، فالمصائب يجمعن المصابين. واللقاءات بين الرئيسين كثيرة، بيد أنها لا تثمر خيرا لصالح شعبي البلدين، بل إن رئيسي البلدين يستغلان بعضهما البعض على ما يبدو لإضفاء الشرعية وتعزيز سلطة كل منهما. وليس من الواضح أن كلا النظامين على قدر تحدي إرساء علاقات إستراتيجية بين البلدين واستغلال مواردهما الطبيعية والبشرية واستعادة دور البلدين على الصعيدين العربي والإفريقي. (2)انتظمت أعداد مقدرة من أطباء السودان في إضراب عن العمل بعدد من المستشفيات في العاصمة والولايات وهو الأكبر من نوعه خلال فترة حكم الرئيس البشير.. وطالب الأطباء بتحسين بيئة العمل وقانون حماية الطبيب.. وشكلت الحكومة غرفة عمليات برئاسة نائب الرئيس للتعاطي مع الإضراب الذي يقوده ناشطون أطلقوا على أنفسهم اسم لجنة الأطباء المركزية.وأحدث الإضراب حراكا سياسيا عنيفا مضادا للحكومة وركبت الموجة العاتية الأحزاب والتنظيمات المعارضة في محاولة لاستثماره سياسيا.. ونتج عن ذلك حرب بيانات متبادلة بين الجهات الموالية والمعارضة للحكومة.ففيما أعلنت شبكة الصحفيين السودانيين - وهو جسم معارض - تأييدها المطلق لإضراب الأطباء، أصدر اتحاد الصحفيين الموالي للحكومة بيانا شجب فيه الإضراب. وحركت الحكومة آلتها الإعلامية متهمة المضربين بممارسة السياسة تحت غطاء المطالب المهنية. تردي الخدمات الصحية أدى إلى حوادث عنف ضد الأطباء من جانب المواطنين الذين يراجعون المستشفيات الحكومية. ولن تفلح الحكومة في معالجة أمر الإضراب إن بقيت متقوقعة في اتهاماتها للقوى السياسية المعارضة بتحريض الأطباء، إذ أن هناك قضية حقيقية تنتظر المعالجة والحل وإلا فإن الإضراب سيشكل تحديا كبيرا للحكومة.