12 سبتمبر 2025
تسجيلبعد مرور 28 سنة على أحداث الخامس من أكتوبر 1988 يستحضر الجزائريون هذه الأيام هذه المناسبة وكلهم أسئلة وفضول عما تحقق من مطالبهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ما تحقق من فرص عمل وعدالة اجتماعية وديمقراطية وممارسة سياسية ومشاركة في صناعة القرار. شباب 88 علق آمالا كبيرة لتحسين ظروف معيشته من خلال منصب عمل ومسكن. لا يستطيع أحد إنكار أن أحداث 1988 أدخلت الجزائر عهد التعددية السياسية والتعددية الإعلامية. فأصبح هناك أكثر من 60 حزبا تمثل أقصى اليمين وأقصى اليسار مرورا بالأحزاب الإسلامية. أحداث 5 أكتوبر 1988 ما زالت عالقة في أذهان معظم الجزائريين. بداية الأحداث ما ومازالت تداعياتها ماثلة إلى اليوم، تظاهر الآلاف من الجزائريين آنذاك احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية بسبب أسعار النفط التي شهدها العالم سنة 1986. بسرعة كبيرة عمت المظاهرات أغلب المدن الجزائرية الكبرى، وهاجم المتظاهرون المقار الحكومية والأمنية، وأسفرت الأحداث عن مقتل 120 شخصا حسب الإحصاءات الرسمية، ونحو خمسمائة حسب النشطاء السياسيين. وأجبرت الأحداث الرئيس الشاذلي بن جديد آنذاك على التعهد بتنفيذ إصلاحات سياسية، توجت بدستور23 فبراير 1989، مما سمح بتأسيس أكثر من ستين حزبا سياسيا، وإنهاء حكم الحزب الواحد. ورغم أن هذه الأحداث توجت بإصلاحات غير مسبوقة، فقد تم الالتفاف على الإصلاحات من طرف السلطة تدريجيا، ولم تستطع المعارضة تغيير طبيعة ومكونات النظام الحاكم، حيث بقيت رموز الحزب الواحد ضمن أهم مكوناته. الذكرى الثامنة والعشرون من أحداث الخامس من أكتوبر سنة ألف وتسع مائة وثمانية وثمانين تعتبر أول انتفاضة شعبية شهدتها الجزائر منذ الاستقلال. 5 أكتوبر شهد سقوط العديد من القتلى وإصابة الآلاف من الجزائريين واعتقال آخرين وقد مهدت هذه الأحداث بتعديل دستور جديد أقر التعددية الديمقراطية. بداية الثمانينيات تهاوت أسعار النفط من 37 دولارا وصولا عند 14 دولارا للبرميل سنة 1986، سنتان بعدها كانت كافية للجزائريين ليعلنوا عدم قدرتهم الاحتمال، بفعل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي عاشوها، أيام فقط سقط فيها 200 شخص أو أكثر نتيجة المواجهات بين المحتجين والشرطة. في الخامس من أكتوبر من سنة 1988 اندلعت مظاهرات دامية في الجزائر العاصمة احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتتباين الآراء حول احتمال تكرار تلك الأحداث في الوقت الحالي، ورغم تشابه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية اليوم بما كانت عليه قبل الأحداث، فإن الأغلبية تستبعد اندلاع انتفاضة مشابهة. وقد أودت أعمال العنف عام 1988 بحياة 169 شخصا حسب الأرقام الرسمية، في حين تقول منظمات حقوقية إن العدد بلغ خمسمائة، وعقب هذه الانتفاضة الشعبية "المفاجئة" لجأ النظام يومها إلى اعتماد سياسة الانفتاح، إذ عدّل الدستور وسمح بتأسيس الأحزاب وأطلق الحريات على نطاق واسع وسمح بالتعددية الإعلامية. إن الأسباب التي دفعت الشباب للانتفاضة قبل 28 عاما لا تزال قائمة لحد الساعة مع الأسف الشديد، فمعدلات البطالة والفقر ومرارة الظلم والقهر الذي يشعر به المواطن الجزائري ما زالت قائمة بل تعددت وتنوعت أما النظام السياسي فتمكن من الالتفاف على مكتسبات انتفاضة أكتوبر، والتكيف مع التحولات الإقليمية والعالمية، مع استمراره في الممارسات ذاتها التي كانت قبل أحداث أكتوبر 1988. لكن رغم تشابه الأوضاع فانتفاضة جديدة في الجزائر مستبعدة هذه الأيام لعدة اعتبارات من أهمها: تجربة العشرية السوداء التي أدت إلى مقتل 200 ألف شخص، تضرر منها تقريبا كل بيت جزائري أما الاعتبار الثاني فيتمثل فيما آلت إليها الأوضاع في دول الربيع العربي من حروب وأزمات من دون تحقيق رغبات الشباب والطبقات المحرومة. فالتغيير في الجزائر يجب أن يحدث من الداخل ولا يتم إلا عن طريق معارضة قوية أي أحزاب سياسية قوية ومجتمع مدني نشط وفعال. النظام ما زال يراوح نفسه وما زال يكرر آليات السيطرة والحكم التي آلفها منذ الاستقلال. من جهة أخرى استفاد النظام من الشرعية الأمنية في مكافحة الإرهاب والنجاح في التصدي لاختراقات التنظيمات الإرهابية للبقاء والاستمرار، كما ساعده ريع النفط في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لشراء السلام الاجتماعي وإسكات المحتجين والمنتقدين. مرت 28 سنة على أحداث 5 أكتوبر هذه الأحداث، التي خلفت مئات القتلى ومئات الجرحى والموقوفين والتي شكلت نقطة تحول في تاريخ الجزائر. وخرج في ذلك اليوم الشباب الجزائري إلى شوارع العاصمة للمطالبة بالحرية وتحسين ظروفهم الاجتماعية والسياسية، ليتزعزع النظام من داخله. وفي فبراير 1989 تم اعتماد دستور جديد أقر بالتعددية السياسية. فهل كانت ثورة عربية قبل الأوان؟ حسب المختصين، الربيع الجزائري لم يحدث بعد غير أن مؤشراته بادية للعيان، وحجمه سيكون أكثر بكثير مما عرفته الجزائر في تسعينيات القرن الماضي أو ما عاشته تونس أو مصر أو ليبيا مؤخرا. الجزائر تعيش منذ أحداث أكتوبر ما يشبه تلك الأحداث مما يؤكد أن النظام في جوهره لم يتغير قيد أنملة وأن أسباب الانفجار قائمة أكثر من أي وقت مضى. وفي خطة للتقليل من شأن الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، لا يفوّت الساسة الجزائريون أي فرصة لوصف أحداث 5 أكتوبر الدموية بأنها "ربيع عربي" سابق لأوانه. واعتبر سيد أحمد غزالي رئيس الوزراء الجزائري السابق أن دستور 1989 تضمن "أفضل الإصلاحات" في إشارة إلى إقراره الإصلاحات السياسية والقانونية التي سمحت بتأسيس أحزاب سياسية معارضة. لكن في حقيقة الأمر ما أفرزته أحداث 5 أكتوبر 1988 هو ضرورة التغيير مع استمرارية النظام ودون المساس برموزه، الأمر الذي أدى إلى صراع محتدم نشب في هرم السلطة بين الإصلاحيين من جهة، والمحافظين وراديكاليي الجيش وحزب جبهة التحرير، الذي كان آنذاك الحزب الشرعي، من جهة ثانية، ما أدى بالطرف الأخير إلى مقاومة تلك الإصلاحات معتبرا إياها حربا على النظام القائم. يقال في الجزائر إن "الذين يديرون البلاد لا نراهم"، في كل بساطة استخف النظام بميلاد قوى ديمقراطية وحجّم حركة الإسلام السياسي بخطابه وقواعده وعنفه مما أفسد مشروع ديمقراطية النظام والدخول في حرب أهلية بعد توقيف المسار الانتخابي في ديسمبر 1991. فما هي انعكاساتها على جزائر اليوم؟ إن النظام الذي يحكم الجزائر اليوم هو نفس نظام الرئيس الراحل هواري بومدين (1965-1978)، فحسب سيد أحمد غزالي، رئيس الوزراء السابق إن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ليس مشكل الجزائر ولكنه أحد مشاكلها. وفي وصفه للنظام الجزائري الحالي، أضاف غزالي إن الأخير "لا يحترم قوانين البلاد ويؤمن بأن المجتمع يجب حكمه وإدارته بالأوامر مثل الجيش".