27 أكتوبر 2025

تسجيل

زيارة القدس تحت الاحتلال.. نصرة أم خدعة؟ (2-2)

08 أكتوبر 2015

في الجزء الأول من هذا المقال عرضنا التأصيل لنظر هذه القضية وخلصنا إلى أن الأدلة المساقة من المبيحين مخرجة عن سياقها أو غير منصبة على موضع الخلاف.. وفي هذا الجزء - الثاني – أعود للتفصيل بعد التأصيل وأقول: مما استدلوا به قول الله تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا على الله الكذب)، قالوا إن الدين تم ولا يجوز تحريم الزيارة وذلك من الكذب على الله بعد أن تم الدين.. وأرد بأن الآية نهت عن التحليل والتحريم بالرأي والتشهي وليس عن التحليل والتحريم في ضوء النص ومقاصد الشريعة.. بل إن هذا الفهم السقيم للآية يغلق باب الاجتهاد وهذا مخالف لمعلوم من الدين بالضرورة.واستدلوا بأن الله تعالى أسرى بنبيه إلى الأقصى وهو تحت حكم الرومان، قالوا: وهذا يشبه زيارة القدس اليوم تحت الاحتلال الصهيوني!!، وأقول إن رحلة الإسراء لم تكن بتأشيرة أو استئذان من الروم، كما يفعل زائرو هذه الأيام، ثم إن القضية ليست الزيارة تحت حكم العدو - فقط - ولكنها الزيارة التي تعطي للعدو المحتل شرعية.واستدلوا بالقياس على دخول النبي، صلى الله عليه وسلم، في جوار المطعم بن عدي – الكافر - عندما أراد دخول مكة بعد عودته من الطائف، قالوا: والجوار إذ ذاك كان من الأنظمة الاجتماعية ذات الطابع السياسي وهو بمثابة التأشيرات هذه الأيام.. وأقول: فرق بين التأشيرات التي تعود على العدو بمكتسبات التطبيع وإحواج الناس للسفارات الصهيونية وبين الجوار الذي لم يكن يعود على الكفر بمزايا على حساب الإسلام، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما دخل في جوار المطعم الشريف المناصر للإسلام في مواقف معروفة ولم يدخل في جوار أبي جهل وأمثاله من المعروفين بفساد طويتهم وشدة كراهيتهم للإسلام.. فهل العدو الصهيوني كالمطعم؟ وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في السنة السابعة للهجرة من أجل العمرة والطواف بالبيت وقد كانت مكة والكعبة والمسجد الحرام تحت حكم الكافرين.. وأقول: لقد كان دخوله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة وعن قوة من غير تطبيع ولا خضوع.. ولنتذكر أن المسلمين يومها حملوا السلاح في أغماده استعدادا للحرب.واحتجوا بأن بعض العلماء – كأبي حامد الغزالي - زاروا فلسطين تحت حكم الفرنجة.. قالوا: وهذا يعني أن الاحتلال لا يغير أحكام زيارة المساجد.. وأقول: حتى لو صح ذلك عن الغزالي، فالفاعل بشر يصيب ويخطئ، ولم تكن أكثر من حالات فردية، كما أن أبا حامد لم يعش في زماننا ولم ير زعماء زمانه يوالون العدو.وقالوا: إن صلاح الدين ونور الدين كانا يطلبان من والي بيت المقدس الإذن لبعض الناس بزيارتها.. وأقول: وهل كانت الأمة غائبة الوعي بالقدر الذي هي عليه اليوم؟ ثم هل كان لدى المسلمين قرار بالمقاطعة كما هو اليوم؟ وهل جاءت تلك الزيارات في سياق كسر التطبيع مع عدو الأمة، أم كانوا حكاما مقاتلين ولهم جيوش تقاتل؟.ونسبوا لبعض علماء زماننا القول بجواز زيارة بيت المقدس وفق ميزان المصالح والمفاسد، وأن الرأي النهائي في تقدير ذلك لعلماء فلسطين.. قال أحدهم وقد سألت الشيخ "أحمد حسين" مفتي فلسطين فرجّح اعتبارها مصلحة وأجازها ولكنه شرط أن تكون زيارة راشدة لا يتعاون فيها الزائر مع الاحتلال ولا يشتري من بضائعه ولا يستفيد من خدماته.. وأقول: كل من ذكر هنا رجال يؤخذ منهم ويترك، وقد خالف هؤلاء العلماء – مع جلالة قدرهم – جماهير علماء فلسطين، وأما تمييز الشيخ "حسين" للزيارة الراشدة بكذا وكذا.. فهذا نوع من الدوران مع المصلحة الزهيدة الباهتة في مقابل الوقوع في مفسدة عامة طامة لمجرد توهم الفرق.. وتساءل أحدهم "على سبيل الاستدلال والقياس قائلا: (هل يجوز السفر لإسبانيا بتأشيرة من سفارتها.. فإسبانيا كانت لنا ثم سلبت منا ومثل ذلك حالنا مع إسرائيل)؟. وأقول: وهل حكم التعامل مع الصهاينة كحكم التعامل مع الإسبان وهل تفعل إسبانيا بالمسلمين ما يفعله الاحتلال؟ وإذن فليس بين الحالتين من علة مشتركة تسوغ القياس.ولما سئل أحدهم عما سيفعله العلماء لو منعوا من الزيارات بعد أن تؤدي للتطبيع وينال الاحتلال منها ما يشاء.. قال: "إن منعنا الاحتلال بعد ذلك من الزيارة فسوف نضج أمام العالم ونقول الكثير.. وأقول: كنت أنتظر أن يقول سنفتي لجيوش الأمة أن تتحرك لتحرير القدس، ولكنه قال نضج ونتكلم.. ما يعني أنه سيتخلى عن كل الملف إلى الكلام عند الفشل.. ثم ما قيمة أن يضج للعالم بعد أن يكون التطبيع قد أطبق على الأمة؟ وكم ألف مرة يجب أن نجرب العالم الذي لا يسمع إلا الأقوياء ومن لهم ثوابت يحافظون عليها. آخر القول: لم أجد في استدلالات المجيزين زيارة القدس وفلسطين تحت الاحتلال الصهيوني إلا التواءات يخالفون بها أصول الاستدلال وميزان المصالح والمفاسد رغم ادعائهم البناء عليه، ولكن وجدت ضرورة اعتماد فتاوى الاتحادات والروابط والهيئات واللجان الشرعية في طول وعرض بلاد المسلمين الذين أفتوا بأن هذه الزيارة نوع من التطبيع وذريعة لمفسدة لا تقاربها أي مصلحة مهما ادعى المدّعون.