17 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); الثقافة هي الطرق والأنماط والسلوكيات التي اعتادها البشر، في حياتهم، وفي كلامهم، وفي أدبهم، فقد توارثوها أجيالاً بعد أجيال، حتى صارت مرجعيات ثابتة، وضوابط وأعرافا وتقاليد سائدة، ومن ثم فمن يخرج عليها يُعدُّ غريبًا عنهم، ومخالفًا لهويتهم. والآن تتقاطع وتتناقض وتتعارض طرائق حياتنا اليومية مع عاداتنا وتقاليدنا، وأنساقنا الثقافية الرفيعة، فأصبحت ثقافتنا هشة أو سطحية أو ضحلة. فمثلاً إذا نظرنا إلى العلاقات الاجتماعية والروابط الأسرية سنجدها سطحية، فاقدة لجوهرها، لم تعد مبنية على مبادئ منظمة أو قواعد ثابتة. صارت الصلات والروابط الاجتماعية تمجد الماديات وتهتم بالمتع الحسية والمظاهر الجسدية، فانحرفت المجتمعات بذلك عن مراعاة الذوق الخاص والفكر، وركزت على السعادة الجسدية المباشرة من ملبس ومأكل ومشرب وجنس واحتفالات وكرنفالات شعبية. فعلى سبيل المثال في مجال الإعلام تحولت وسائل الإعلام من منابر تنقل الثقافة الرفيعة إلى دعاية للثقافة الاستهلاكية، فالتلفاز وهو أبرز الوسائل الإعلانية عن السلع الاستهلاكية، صار لا يقدم لك معلومة مباشرة عن المنتج المعروض وحسب، بل يركز على تقديم صور خيالية تصور لك الحياة الواقعية في ظل هذا المنتج، وهو يحاول الترويج له من خلال الإعلان عنه بأشكال وأساليب جديدة، وغالبًا تكون مقبولة لأنها تصور للمشاهد نمطًا حياتيًا ممتعًا يظهر في الإعلان، وسيتحقق في ظل ابتياعك للسلعة المعلن عنها. كما أن الشخصيات العامة والمشاهير صارت بمثابة الرموز المؤثرة في اتجاهات، واختيارات النشء والشباب، يظهر ذلك بوضوح أيضًا في التلفاز والإعلانات حيث يتم اختيار شخصيات مجتمعية من فنانين ومطربين ونجوم مشهورين يتحولون إلى أبواق إعلانية، وذلك من أجل تأييد وتعضيد السلعة المعلن عنها، لأن ظهورهم لحظة الإعلان عنها سيساعد على الترويج للسلع والمنتجات الغذائية والملابس والمأكولات والمشروبات ومنتجات العناية بالجسد. فلم يعد الفرد/المشاهد/المستهلك ـ أمام كل هذه المؤثرات الثقافية ـ يسأل نفسه أي ملابس مناسبة سيرتدى، بل صار منشغلاً بكيف يلبس الآخرون ليفعل مثلهم، وهنا يقلد دون وعي أو إدراك، ولكن يسير خلف موضة عالمية تدمر العادات والأعراف والتقاليد القومية في البلاد العربية. صار المجتمع يتلقى كل ما يفد إليه، ويقلد دون وعي، ففي العروض المسرحية والغنائية، قديمًا كان يتلقى الجمهور ما يشاهد أو يسمع من فن بروح مقدرة، فيتفاعل مع ما يسمعه أو يشاهده باستجابات تتصف بالانضباط والانتظام، ولا شك أن استجابته تعكس ثقافته الرفيعة وطبقته الأرستقراطية، في حين أن الجمهور الآن تغير وتحول بفعل التحولات الثقافية، فصار عبارة عن غوغاء صاخبة، ترقص وتصفق وتصفر وتصيح وتهلل في ردود واستجابات همجية أو غوغائية، تعبر عن ثقافة ضحلة. وفي الإعلانات التلفزيونية يتم إرسال رسالة مشفرة داخل الإعلان الذي لا يتعدى كلمات بسيطة يستقبلها المتلقي في ثواني معدودات مثلاً: "استرجل و."..، "استمتع و."..، "قرمش."..، "هيخبطك."..، أو... كل هذه الشفرات الإعلانية تحفز على ثقافة الاستهلاك، وغالبًا تُعرض خلال متابعتك للبرامج التلفزيونية المشهورة، أو أثناء الفاصل خلال بث "فيلم أو مسلسل"... صارت كل هذه الأشياء بمثابة ممارسات مسيطرة على منطق الإنسان عندما يريد أن يلبس أو يأكل أو يشرب أو حتى يتكلم، وكل هذا يؤدي إلى الفقر الروحي وطغيان اللذة بصورها وأنماطها المتنوعة، وهذا جعلنا نعيش في مجتمع هجين فأفراده يرتدون أزياء غريبة، ويمارسون سلوكيات دخيلة، ويوظفون في كلامهم مفردات أجنبية، ويقومون بأفعال متحررة من الالتزامات الدينية والاجتماعية. إن المناسبات والأعياد الدينية صارت مناسبات استهلاكية، حيث ارتبطت هذه الأعياد في أذهان كثيرين بألوان معينة من الأطعمة والحلويات، فالعيد الأضحى يرتبط بأكل اللحم والفتة والكوارع، والمولد النبوي الشريف يرتبط بالحلوى وعروس مصنوعة من الحلوى (عروس المولد)... وبذلك انتصر الاستهلاك على الدين، وصارت المناسبة الدينية مناسبة استهلاكية. وكما تتحدد أنساقنا الثقافية بالقيم الدينية والأخلاقية وتتأثر أيضًا بالعادات والتقاليد الاجتماعية، فمما لا شك فيه أن القيم الجمالية تلعب دورًا شديد التأثير في أنساقنا الثقافية، بل وقد يتصادم العنصر الجمالي مع القيم الدينية والأخلاقية والعادات والتقاليد. ويظهر ذلك في سعي المرأة إلى تجميل جسدها، لأنها تنفعل بالجميل وتحرص على أن تكون جميلة خاصة إذا افتقرت إلى الملاحة الطبيعية، فهنا تجتهد لتصنع ملاحة شكلية، فتشتري مستحضرات التجميل، وتذهب إلى بيوت الأزياء، والكوافير لصناعة جمال جسدي، وبذلك تتصادم ثقافة التجميل للجسد الأنثوي مع قيم الدين وما يحث عليه من احتشام وزهد.