أذكرني عند ربك (1-2)

قرأنا سورة يوسف مراراً وتكراراً، ومررنا على آياتها كثيراً، ربما دون أن نستشعـر بعض حكمها ومقاصدها، أو ربما دون أن نتلمس بعض الحكم منها، وربما أحياناً أخرى لا نتلمس شيئاً لسنوات طوال من القراءة والحفظ!! ومن تلك الآيات العظيمة على سبيل المثال لا الحصر، تلك التي تحدثت عن مشهد يوسف مع ساقي الملك.. : "وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين" .. ماذا أريد أن أصل إليه اليوم عبر هذه الآية الكريمة ؟ المسألة ستتضح على الفور لمن يتأمل الآية ليجد المعنى الحقيقي لأمر الاستعانة بغير الله ، وهو الذي بيده ملكوت كل شيء في هذا الكون الواسع العظيم . سيجد أي متدبر للآية وضوح مفهوم الاستعانة بغير الله ونتائجها غير السارة ، وقد تجسّد المفهوم في مشهد بالغ الوضوح ، صوّره القرآن العظيم لنبي الله الكريم يوسف وهو يعاني في السجن بسبب ظلم الظالمين. حيث يتبين من خلال حديثه إلى ساقي الملك الذي فسر له رؤياه ، أن شعوراً داخلياً معيناً خفياً ربما تولد عند نبي الله يوسف على إمكانية أن يكون خلاصه على يد فرعون مصر في ذاك الزمان ، فتطلع للخروج من سجنه بأي طـريقة ممكنة ، فأدى به ذلك الشعور إلى أن يوحي سراً إلى ساقي الملك أن يذكّر جلالته بقضيته وسجنه التي دخله ظلماً وزوراً، وذلك حين تُتاح له أول فرصة للتحدث مع الملك .. في لحظات قليلات، ربما.. وأقول ربما ، وتحت ضغط الحياة في السجن وشعور القهر والظلم الذي وقع عليه ، لاحت له عليه السلام فكرة الاستعانة بالساقي لتذكير صاحب القرار الأعظم في البلاد وهو الملك ، للنظر إلى قضيته وأن يكون خلاصه ونجاته وخروجه إلى حياة الحرية من جديد على يديه ! فماذا حصل؟ ربما بسبب شعور الفرحة بالخروج من السجن لدى الساقي ، نسي السجن ومن فيه وكل ما يرتبط به ، وقد أوضح القرآن ذلك حين ذكر الله حال الساقي بعد الخروج من السجن :" ... فأنساه الشيطان ذكر ربه .." . نسي الساقي صاحبه في السجن ومفسر رؤيته ، واشتغل والتهى بحياته وعمله بضع سنين .. فيما لبث واستمر نبي الله الكريم يوسف الصديق بالسجن في تلك الفترة ، يعاني الظلم وأفعال الظالمين ، قاتلهم الله أينما كانوا أو سيكونون.. حيث لم تنفعه الاستعانة بالبشر مهما كانوا وكادوا .. وفي ذلك درس بليغ لمن يأتي من بعد النبي الكريم يوسف عليه السلام .. وفي القصة بقية حديث نكملها بالغد إن شاء الله ..