27 سبتمبر 2025

تسجيل

تركيا .. هل ستخوض حرباً لإنقاذ السوريين؟!

08 أكتوبر 2012

هل يمكن أن يؤدي سقوط القذيفة السورية على بلدة "أكشاكالا" التركية التي أكد وزير الخارجية أحمد أوغلو أنها نار سورية وأن هذا النوع لا يستعمله اليوم في النزاع الداخلي إلا الجيش السوري وكذلك توالي سقوط تلك القذائف داخل الأراضي التركية ومقتل الأسرة التركية بأشخاصها الخمسة وكذلك مقتل عدد من الجنود السوريين بالرد التركي على مواقع سورية، إلى نشوب حرب فعلية بين الدولتين وهل تركيا القوية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً بوارد التورط في هذه الحرب التي تؤثر على شيء ما في معدل ثقلها الكبير، وكذلك السلطة السورية الضعيفة اليوم بسبب ما تستنزفها الثورة ويوقع بها الجيش الحر خسائر فادحة في الأرواح والتجهيزات وتحرير المواقع المدنية والعسكرية رغم كل الوحشية التي يجرم بها من فاقوا هولاكو ونيرون، وفي النهاية ما الدور المطلوب فعله من الدولة التركية التي لا شك أنها ترى من مصلحتها سقوط النظام الأسدي وقيام نظام ديمقراطي يحقق مطالب الشعب ويضمن الاستقرار بين الجارتين، ويمنع تقسيم سورية إلى دويلة علوية أو كردية سيما أن حكومة أردوغان قررت بعد استنفاد طاقتها في محاولة الإصلاح مع الأسد أن تنحاز إلى لشعب وتكون أول داعم للثورة إنسانياً ولوجستياً كما هو معروف مما جعل النظام الأسدي يحنق غيظاً بذلك ويحاول ألاّ ينقطع بقذائفه ضمن الأرض التركية خلف الحدود مما أثار حفيظة المجتمع الدولي الأسبوع الماضي و نددوا بهذه الاعتداءات ربما ترضية للجانب التركي أو لحضه على الرد وخلق قابلية حارة تجعله ينجر إلى خوض الحرب حفاظاً على هيبته بعد تكرار الاعتداءات أكثر من ثماني مرات كما صرح أردوغان، وعندها تختلط الأوراق وينجح مكر الأسد الصغير في إيقاع خصمه في الحفرة والفخ والمصيدة التي سيدفع ثمن تغافله لو حدث كبيراً. لكن الباحث المتابع والمتأمل شخصية أردوغان وتياره الناهض طيلة سنوات حكمه يدرك أنه وساسته كسبوا إلى حد كبير مهارة المناورة مع الاقتدار على استحواذ معظم الجماهير المؤيدة لهم من جهة و عرفوا أنهم يقظون بعدم السقوط في بؤر لا يستطيعون الخروج منها أو ما يجعلهم في مواقف مضطربة تسيء إلى مواقعهم السياسية و الشعبوية. إن المعركة التي دارت وتدور بين النظام الطاغي في دمشق و بين الثوار الأحرار من الشعب و الجيش الحر معركة مصيرية معركة بقاء أو فناء لأي من الطرفين، ولكن سنن الله في الخلق والتدافع وتجارب الحياة تثبت بلا ريب في معظم الأحيان أن الغلبة للحق وأهله الصامدين المخلصين لهذا الوطن مهما تكالب عليهم العدو المبطل و من معه من محاور الشر و الحقد و الطائفية وهم هنا كما لا يخفى روسيا و الصين وإيران ومن نعق معها من المنتفعين وفاقدي الرحمة والإنسانية، وفي هذا السياق فإننا نجد أن الموقف التركي حيال الثورة السورية المباركة موقف مقبول بالنظر إلى ما قدمه ويبذله من رعاية تحسنت مؤخراً لمخيمات المهجرين الذين وصل عددهم إلى مائة ألف وإن كنا نهيب بإخوتنا الأتراك أن يرفعوا نسبة العناية والخدمة وخاصة لآلاف العالقين على الحدود السورية باتجاه الداخل التركي نظرا لوضعهم المأساوي من جراء ملاحقة الجيش الغادر و شبيحته لهم هذا من وجه، ومن وجه آخر فإن المشهد التركي بالتركيبة المعروفة للمجتمع ديموغرافياً و جغرافياً في الداخل و العوامل المؤثرة عليه من الخارج موقف حساس ومعقد يحمل في تضاعيفه العديد من المشكلات فالحكومة داخلياً تعاني من العلويين واليسار في تركيا حيث يوجد عدة ملايين من الطائفة العلوية المتعاطفة مع النظام الأسدي بل الفاعلة بالمظاهرات المؤيدة له وبالطلب الملح من الدولة أن تمنع المهاجرين السوريين من السكنى في بيوت أنطاكية والاكتفاء باللجوء إلى المخيمات إلى درجة أحرجت الحكومة حتى طلبت من المهاجرين ذلك، وكذلك فإننا نرى أنها في أزمة تعامل مع العلويين عامة الذين هم من الذين اعتذر لهم أردوغان عن أحداث وقعت ضدهم عام 1925 مع أن ذلك من مسؤولية جمهورية مصطفى كمال أتاتورك فأردوغان يريد تخفيف أي احتقان لديهم وهم لا يميلون مع الثورة السورية، فقد انحازوا إلى تيار اليسار وفي حزب الشعب الجمهوري اليساري الذي يتزعمه الكردي العلوي من ديرسم كمال كلجدار أوغلو فإننا نجد نقداً واضحاً لحكومة أردوغان المنحازة لثورة الشعب على اعتبار أن هذا تدخلاً في الشؤون الداخلية السورية المجاورة ومن وجه آخر كان التيار الماركسي متناغماً مع رؤية النظام السوري الذي يدعي الممانعة والمقاومة ضد إسرائيل في حين يعتبر الثورة السورية مؤامرة امبريالية تهدف إلى تقسيم سورية وربما يمتد أثرها إلى تركيا ويضيف إلى ذلك تيارات إسلامية صغيرة كحزب السعادة وصوت الشعب وإن كان حزب السعادة قد عدل رأيه لصالح الثورة، لكن التيار القومي المتشدد هو أيضاً لمعاداته للإسلاميين يقف مع عقدة المؤامرة ولا يؤيد زعزعة النظام السوري وأما خارجياً فكم يقلق تركيا حزب العمال الكردستاني سيما أن الفرع الإيراني له المسمى "جاك" أعلن تجميد عملياته ضد القوات الإيرانية الحليفة والمشاركة للأسد في جرائمه وهذه هي ورقة ضغط على تركيا للحد من مناهضتها لنظام دمشق ومن جهة أخرى فقد عاد إلى سورية قائد الفرع السوري لحزب الاتحاد الديمقراطي للعمال الكردستاني "صالح مسلم" حيث قدمت له دمشق كافة التسهيلات وهو يعمل على إبعاد أكراد سورية عن الإسهام في الفعاليات الثورية الهادفة إلى إسقاط النظام، أضف إلى ذلك استحواذ الأكراد على منطقة القامشلي وتنازل النظام لهم لصالح زعزعة الموقف التركي وخلق مشكلات فعلية أمامه تكلفه الكثير مستقبلاً. وهنا يجب ألاّ ننسى الموقف المبدئي الإيديولوجي الطائفي لدولة إيران المؤيد لنظام الطغاة والمشارك فعلياً بقمع الثورة السورية بالرجال و المال والسلاح وذلك بتصريحات قادتهم على أعلى المستويات وبالواقع الفعلي على الأرض ويؤيدون ذلك بأن موسى الصدر اعتبر العلويين جزءاً من الشيعة الاثني عشرية، وهو ما أكده المالكي بأنه يدافع عن النظام لذلك وهو ما يترجمه حزب الله اللبناني على الأرض كذلك. والأتراك قارئون لتاريخهم وربما لا يخفى عليهم الصراع العثماني الصفوي وانتصارهم عليهم في معركة جالديران بعد مناشدة أهل الشام لهم أن ينقذوهم من ظلم المماليك تاريخياً بعد تخاذلهم بالدفاع عن المقدسات ضد تهديدات البرتغاليين ومحاولتهم نبش قبر النبي محمد صلى الله عليه و سلم وفي معركة فاصلة هزم المماليك شر هزيمة، وإذا جاز في زماننا هذا للتاريخ أن يعيد نفسه ونحن نعلم حساسية الوضع التركي فإننا مع ذلك نطلب مساعدات حقيقية على الطريق إن لم يشاركوا معنا في القتال ولذلك كان شعار الجمعة الماضية أعطونا سلاحاً لا تصريحات، وبهذه المناسبة فإننا نرجو أن لا يصرح السيد أردوغان تصريحات نارية تهديداً للنظام الأسدي ثم لا يمكن أن ينفذها فيصيب شعبنا بالإحباط بل يقدم ما يستطيع ويزيد قدر الإمكان بدعم الثوار وهم معتمدون أولاً وآخراً على الله وعلى أنفسهم والحمدلله يحققون انتصارات باهرة أمام هذا السفاح الفتاك وسيكون الخلاص المنجي بإذن الله على أيديهم المتوضئة وقلوبهم المخلصة وصمودهم الأسطوري الفريد.